رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل البشر متساوون في القيمة الإنسانية والمعنوية؟

أثار الهجوم على بوسطن في الولايات المتحدة، الذي قُتل فيه أربعة أشخاص، جملة تساؤلات حول دور الإعلام والطريقة الانتقائية التي يتعامل بها مع الأحداث وتعاطيه مع الأخلاق الإنسانية السامية، التي تقول إننا كبشر متساوون من حيث القيمة الإنسانية والمعنوية.
وهذه التساؤلات أتت هذه المرة من كبار كتاب الأعمدة في الصحافة الغربية. لو كتبها ليون برخو لقيل إنه يقوم بذلك، لأنه مشهود عنه دفاعه عن القضايا العربية والإسلامية، ومعاداته للسياسات والممارسات الغربية التي تخص التعامل مع الآخر.
الخطر الأساسي، الذي نواجهه اليوم هو تحديد قيمتنا الإنسانية، استنادا إلى اللون أو الدين أو المذهب أو الجغرافيا أو القرب والبعد منا أو ما هو خاص بنا. هذه معادلة إنسانية خطيرة جدا، لأنها ترى فيما لديّ من حيث القيمة الإنسانية والإلهية أعلى وأسمى وأثمن وأفضل مما لدى الآخر، لذا يستحق ما ألحقه به من قتل واضطهاد وإهانة.
وهذه المعادلة تخص النفس البشرية البريئة وما نلحقه من ظلم بها أو قتل وهو أبشع ما يمكن تصوره - أو الاضطهاد بأشكاله أو التهميش أو الإهانة.
وأقول جازما إن هذا المنحى أدى إلى اعتماد موقف ونظرة مزدوجة للنفس البشرية البريئة - أي أن النفس البريئة الأمريكية أو الأوروبية، التي تذهب ضحية العنف أو الإرهاب، تساوي مثلا مئات من الأنفس البريئة المسلمة أو العربية التي تسقط نتيجة للعنف الذي يمارسه الغرب أو للعنف الذي يمارسه العرب والمسلمون مع بعضهم.
هذه المعادلة كانت ستصير من الثوابت المطلقة لولا كتابات الفيلسوف الأمريكي ريجارد برنشتاين، ولا سيما مؤلفه القيم والمؤثر جدا في الأروقة العلمية والأكاديمية، الذي أصدره في عام 2005 بعنوان: ''استغلال الشر: فساد السياسة والدين منذ أحداث 11 سبتمبر 2001''.
في هذا الإصدار يوضح لنا برنشتاين بما لا يقبل اللبس، أن الخطاب والممارسات الغربية، ولا سيما، التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001 أفرزت عالما يفتقد العدالة الإنسانية بشكل لم تلاحظه البشرية من قبل وأوجد نوعا من الثنائية والازدواجية تمكن صاحب السلطة - عسكرية أو إعلامية أو اقتصادية أو دينية أو مذهبية - من فرز البشر إلى أخيار وأشرار، صالحين وطالحين، سيئين وجيدين، مؤمنين وكافرين، إيجابيين وسلبيين وإلى آخره من الثنائيات.
وفي تفسيره للشر وكيفية استغلاله عند وقوعه من أصحاب الشأن والسلطة يستند برنشتاين إلى مفكرة العصر الحديث وهي هنّا إرندت، الفيلسوفة التي تشرح لنا ماهية الشر الكامن في النفس البشرية، ولماذا يرى الإنسان أن ما له وما لديه ليس فقط أفضل وأرقى مما لدى الآخر، بل إن ما لدى الآخر من الدونية يستوجب بموجبها قتله وإهانته وإلغائه.
في كل ما قرأته في الصحافة الغربية من مقالات رصينة حول قتل الأنفس الأربعة البريئة في بوسطن - وهو عمل مدان بكل المقاييس - لم يأت أي من الكتّاب إلى ذكر برنشتاين أو أرندت، بيد أنني شعرت وكأن هذين الفيلسوفين يهمسان في آذانهم ليقولا ما قالاه، الذي لم يكن من الممكن قوله قبل سنين.
أن تضع صحف غربية مرموقة وكتّابها الكبار الهجوم في بوسطن ضمن سياقه الإنساني العام - أي أن قتل النفس البريئة غير مقبول وأن النفس البريئة متساوية القيمة الإنسانية باختلاف المكان والزمان والدين والمذهب والعرق - حالة إيجابية يثني أصحابها عليها.
وهكذا قارن البعض الهجوم على بوسطن بالغارات، التي تقوم بها الطائرات المسيّرة الأمريكية في أفغانستان أو اليمن أو الصومال أو فلسطين، وبالعنف المستشري في أفغانستان والعراق وسورية وغيرها وما يخلفه من قتل وجرح للأنفس البريئة، وكيف أن تلك الأنفس المساوية في القيمة الإنسانية للنفس البريئة الأمريكية لا تلقى بعد الكارثة، التي تحل بها أي عناية تذكر ولا التغطية الإعلامية الهائلة التي ترافق قتل نفس بريئة في الغرب.
ودعني أختم رسالة جمعتنا المباركة هذه بآية من الذكر الحكيم التي سبقت الفيلسوفين برنشتاين وأرندت، التي إن طبقها المسلمون لما شهدنا قتل الأنفس البريئة بهذا الشكل المريع من قبل بعض الفرق والمجموعات وحتى الحكومات: ''من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي