رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العلاقات بين تخصصات الأعمال .. المحاسبة والتمويل مثالا

العلاقات والتداخلات بين التخصصات، وأعني هنا تخصصات الأعمال بالذات، وفي هذا أريد أن أغور قليلا في التدخلات بين التخصصات، خصوصا تلك المتشابهة والمتقاربة مثل إدارة المواد والعمليات (الإنتاج) من جانب، والتمويل والمحاسبة من جانب آخر، والعلاقات العامة والتسويق من جانب ثالث. فكثيرون يخلطون بين هذه التخصصات، منهم من يراها وجهين لعملة واحدة، ومنهم من يرى أنهما منفصلان تماما ولا علاقة لهذا بذلك، والبعض الآخر يجعل الأصل فرعا والفرع أصلا. وعدم وضوح العلاقات أو بالأحرى عدم مقدرة منسوبي كليات الأعمال (وأنا واحد منهم) على التفرقة بين التخصصات أضر بالخطط وأضعف المخرجات وأدخل المتخصصين في صراعات.
وأريد أن أفرد مقالي هذا لتبيان العلاقات بين تخصصين، أراهما أكثر جدلا في الساحات الأكاديمية، وهما التمويل والمحاسبة؛ فالعلاقة بينهما غير واضحة حتى بين المتخصصين أنفسهم. وقبل أن أبدأ كلامي أريد أن أبيّن للقارئ الكريم أنني لا أستقي ما أقول من وحي أفكاري أو من خيالي، بل من أصول العلم وأدبياته، ومن أراد أن يثري النقاش فليعتمد على مثل ما اعتمدت عليه، وألا يقدم لنا تجاربه الشخصية أو قناعاته الذاتية أو تجارب لم يثبت إلى حينه نجاحها، أو مقولة لبعض المتخصصين لم تثبت صحتها، بل نريد نماذج علمية ومراجع أكاديمية وأبحاثا مؤصلة. كما أريد أن أتوقف هنا وقفة أخرى وأقول إن البعض لديهم آلية راقية في الحوار فنراهم يناقشون، ويردون، ويوافقون، ويرفضون، أما البعض الآخر فأراهم مندفعين يجادلون من دون علم ويحاورون من دون برهان وينتقدون من دون سند، فهذا الصنف لن أتعب نفسي وأرد عليهم؛ لأنهم ينتقدون من أجل النقد ليس إلا ولو جاريناهم لأدخلنا أنفسنا في جدال عقيم لا طائل من ورائه.
أقول، وبالله التوفيق، إنه رغم التقارب بين التمويل والمحاسبة، إلا أنه يمكن الفصل بينهما، ولتوضيح ذلك علينا أن نحدد المرجعية لكل منهما. فكلا التخصصين يقبعان تحت مظلة الإدارة المالية Financial Management التي تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يطلق عليه Treasurer وهذا يأخذ وظائف التمويل Finance والثاني يطلق عليه Controller وهذا يؤدي وظائف المحاسبة Accounting. ونحن هنا لا نريد أن ندخل في الترجمة والفرق بين كلمة finance وfinancing فمشكلة ترجمة هاتين الكلمتين إلى العربية ضللت هذه المفاهيم؛ لذا سنؤجل مناقشة مثل هذه الأخطاء فيما بعد حتى لا تبعدنا عن هدفنا.
نعود إلى الموضوع فنقول إن مهمة التمويل مهمة تخطيطية تتمثل في تحديد مصادر الحصول على الأموال وحساب تكلفة هذه المصادر، كما تشمل مهمة التمويل أيضا إعداد الميزانيات التقديرية مثل الميزانية العمومية التقديرية وحساب الأرباح والخسائر التقديري وحساب التدفق النقدي التقديري، وبهذا يمكن أن نقول إن مهمة التمويل، إضافة إلى كونها تتحمل إدارة النقدية فهي مهمة تنبؤية تقديرية تشمل إضافة إلى كل هذا تحليل القوائم المالية؛ فمهمة تحليل القوائم المالية مهمة رجال التمويل وليس للمحاسبة فيها نصيب، بل أدخلوا أنفسهم من حيث لا يدرون.
أما وظيفة المحاسبة التي تعد الجناح الآخر للإدارة المالية التي يطلق عليها Controller تتمثل مهمتها الجوهرية في تسجيل الأحداث المالية على شكل قوائم مالية واقعية يعتمد عليها رجال التمويل في إعداد الميزانيات التقديرية. إضافة إلى كل هذا فإن المحاسبة تهتم بحساب التكاليف والضرائب وتزويد المديرين ببيانات مالية تساعدهم على اتخاذ القرارات، وهي ما يطلق عليها المحاسبة الإدارية ولو أن بعض كليات الأعمال دمجتها مع محاسبة التكاليف، وبهذا يمكن أن نقول إن دور المحاسبة الجوهري توثيقي، فالمحاسبة تتعلق بالماضي بينما التمويل يتعلق بالمستقبل هكذا يقول العلم، وهكذا تقول كتب الأعمال.
كما قام البعض بإيضاح هذا الفرق من منظورين آخرين: المنظور الأول العلاقة بالتدفقات النقدية، والمنظور الآخر العلاقة باتخاذ القرارات. تقول وجهة النظر هذه إن المحاسبة والتمويل لهما علاقة بالتدفقات النقدية، إلا أن مهمة المحاسبة هنا تتمثل في تسجيل البيانات المالية لقياس أداء الشركة عن طريق تصوير واقعها المالي، فالمحاسب يقوم بإعداد القوائم المالية، ومن ضمنها حساب الأرباح والخسائر بهدف تحديد العوائد Revenue، سواء استلمت المبالغ أو لم تستلم، وكذلك حساب النفقات expenses، سواء دفعت هذه المبالغ أم ما زالت على شكل دين. أما التمويل فينظر إلى التدفقات النقدية من جهة مختلفة بحيث يأخذ في الحسبان النقد المجرد فقط دون غيره، ويطلق عليه مقبوضا أو مدفوعا Intake and outgo of cash، وبهذا فالتمويل ينظر إلى المقبوض والمدفوع الفعلي دون مراعاة المديونية فلا يأخذ في الحسبان أي نوع من أنواع المديونية بهدف تحديد الأهداف المالية وتحديد الأصول اللازمة لتحقيق تلك الأهداف. وتستخدم هنا مصطلحات تختلف عن تلك التي تستخدمها المحاسبة مثل الفائض أو العجز، بينما المحاسبة تستخدم لفظي ربح أو خسارة.
أما العلاقة باتخاذ القرارات فتتضح في أن المحاسبة تقوم كما أسلفنا بجمع وتوثيق القوائم المالية، ويقوم رجال التمويل بتقييم هذه القوائم من أجل الحصول على بيانات إضافية بهدف اتخاذ القرارات المالية مع مراعاة المخاطرة والعوائد. إذًا مهمة التمويل تتمثل في اتخاذ القرار والمحاسبة تقدم ما لديها من أجل مساعدة رجال التمويل على اتخاذ القرارات، لكن هذا لا يعني أن المحاسب لا يتخذ قرارا وأن رجل التمويل لا يعد بيانات مالية، لكن جل عمل رجال التمويل وفقا لوجهة النظر هذه تتمثل في اتخاذ القرارات بينما مهمة المحاسبة تتمثل في إعداد ما يدعم هذا القرار.
ورغم هذه الفروق المنطقية وإمكانية الفصل بينهما، إلا أنهما يظلان متداخلين متلازمين لا يستطيع أحدهما أن يستغني عن الآخر، والأهم هو أن الكل ينتمي إلى الأعمال وأن المحاسبة جزء من الإدارة المالية. هذا هو التقارب وهذه هي العلاقة وهذا هو التعايش بين هذا العلمين الراقيين. وأريد أن أختم فأقول إن أزمة أهل الأعمال - وأنا واحد منهم – أننا لا ننظر إلى الأمر بشمولية، بمعنى لدينا ضيق أفق، ومع الأسف لا أرى هذا إلا عندنا هنا في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي