إعادة النظر في لائحة سلوكيات السوق
صدرت لائحة سلوكيات السوق في عام 2004 كلائحة (تنفيذية) لنظام السوق المالية، إلا أنها – مع الأسف - معدة بطريقة سيئة وخاطئة لا تفي بأغراض اللوائح التنفيذية التي تُصدر لإيضاح النظام بشيء من التفصيل، سعياً لمنع اللبس في تفسير مواد النظام وإعانة المستهدفين في إدراك مقاصد النظام. ونلتمس العذر للهيئة في تقديم لائحة قاصرة في ذاك الوقت بسبب عامل الوقت أولاً، وبسبب عدم توافر الخبرة العملية الكافية آنذاك لإيضاح طبيعة السلوكيات التي يمنعها النظام. أما الآن بعد مضي قرابة عشر سنوات منذ صدور لائحة سلوكيات السوق فلا بد - من وجهة نظري – أن تتم إعادة النظر في هذه اللائحة وإدخال ما يلزم من تعديلات وتحسينات، أو ربما إعادة كتابتها.
أولُ ما يلاحظ على هذه اللائحة أنها لم تأت بأي إضافة على ما جاء في النظام، وهذا أمر غريب ويخالف الهدف من اللوائح التنفيذية، فاكتفت اللائحة بإعادة صياغة مواد النظام ذات العلاقة بطريقة مشابهة مليئة بالعموميات والمغالطات، وهذا ما سيتم استعراضه في هذه المقالة بشكل مختصر ومباشر لكيلا نتشعب في أمور جانبية.
تطرق نظام السوق المالية للتصرفات التي تحكم سلوكيات المتعاملين في المادة 49، حيث نصت المادة على الأعمال التي تعد مخالفة للنظام، وهي قيام شخص بالعمل عمداً أو المشاركة في إجراء يوجد انطباعاً غير صحيح أو مضللا بشأن السوق أو الأسعار أو قيمة الأوراق المالية بقصد التضليل أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع. ثم أضافت المادة أن على الهيئة القيام بوضع القواعد التي تحدد الأعمال والتصرفات التي تعتبر مخالفة وكذلك الأعمال والممارسات المستثناة من ذلك. فمن الواضح أن النظام اهتم بتحديد الأعمال والتصرفات بشكل دقيق، وزاد على ذلك بإيراد أمثلة ربما كان الهدف منها توضيح طبيعة السلوكيات المراد تفصيلها في اللائحة وعدم تركها بصفة العموم فيصعب تطبيق النظام بعدالة ووضوح.
على ماذا نص النظام؟
تعرض النظام - وليس اللائحة - لذكر ثلاثة أنواع من الأعمال والتصرفات المحظورة، من ضمنها التصرفات التي توحي بوجود تداول نشط بشكل مخالف للحقيقة، وأورد مثالا عليها نصه ''القيام بعقد صفقات في أوراق مالية لا تنطوي على انتقال حقيقي لملكية تلك الأوراق المالية''. هذا النص قد يكون كافياً كفقرة عامة في نظام، لكن كان لا بد من التوسع في تحديد المقصود من ذلك في اللائحة، وهو الذي تم بالفعل، وهذا نص اللائحة ''تنفيذ صفقة تداول على ورقة مالية لا تنطوي على تغيير في الملكية الحقيقية لها''. إذاً لم تسعفنا اللائحة في توضيح المعنى، وهذا خطأ بلا شك، وكان الواجب على اللائحة إيضاح المعنى المقصود وهل هو التداول الوهمي، الذي تُرك كذلك بدون تعريف في فقرة أخرى؟ ثم يجب إيضاح المقصود بعبارة ''لا تنطوي على تغيير في الملكية''، حيث من المعروف أن الصفقات تتم آلياً من خلال نظام ''تداول'' بحيث تخصم قيمة الصفقة فوراً من حساب المشتري وتودع في حساب البائع، وتسحب الأسهم من حساب البائع وتودع في حساب المشتري، ثم تقوم وحدة تسجيل الأسهم في نهاية التداول بتسجيل ملكية الأسهم باسم المشتري. لذا فخلال فترة التداول لا يوجد هناك انتقال ''حقيقي'' لملكية الأسهم، لأن المتداول قد يشتري ويبيع مرات عدة خلال اليوم الواحد، ولا يكون هناك انتقال حقيقي إلا في نهاية اليوم.
تطرق النظام كذلك لنوع آخر من الأعمال والتصرفات المحظورة وهو (بتصرف) إدخال أمر شراء مع العلم المسبق بأن هناك أمر بيع مشابها من حيث الحجم والسعر والتوقيت مدخل من طرف آخر. غني عن القول إن هذا النص غير كافٍ بهذا الشكل، بل مغالط للواقع ومخالف للآلية الطبيعية لتنفيذ أوامر البيع والشراء، وهنا يأتي دور اللائحة لإيضاح ذلك، فكيف تناولت اللائحة هذه الجزئية؟ مع الأسف - لم تساعد اللائحة على توضيح طلاسم هذه المادة، وأعادت كتابة نص المادة كما هي تقريباً بلا زيادة ولا نقصان في المعنى – إن كان هناك معنى.
استثناءً لكون اللائحة لم تأت بجديد، فقد أضافت اللائحة أنواعا أخرى تدخل في الأعمال والتصرفات التي تعد من أنواع التلاعب أو التضليل، وليتها لم تفعل، حيث جاءت لتكحلها فأعمتها. نصت اللائحة على أن التصرف التالي محظور، وهو نصاً ''شراء أو تقديم عروض لشراء ورقة مالية بأسعار تتزايد بشكل متتابع، أو بنمط من الأسعار متتابعة التزايد''. أولا الصحيح أن يقال تقديم طلبات شراء، لأن العروض للبيع ليست للشراء، ثانياً ما الخطأ في قيام شخص بشراء أسهم بسعر السوق ومواصلة شرائها على الرغم من كون أسعارها تتزايد؟ يبدو أن من أعد اللائحة متأثر ببعض الآراء الخاطئة التي تنشر في المنتديات حول المضاربات وتفسير أسبابها. ثم ما هو بالضبط نمط الأسعار متتابعة التزايد؟ إذا كان لا يوجد للجهة المسؤولة عن تطبيق النظام مفهوم معين وواضح لما تعتبره مخالفا للأنظمة فالأفضل ألا ينشر مثل هذا الكلام في لائحة قد تستخدم خطأ في معاقبة متداولين، وتحذف هذه الجزئية تماماً من اللائحة. مثلها كذلك ما نصه ''إدخال أمر أو سلسلة من الأوامر على ورقة مالية دون وجود نية لتنفيذها''! أي متداول في السوق يعلم أن إدخال طلب شراء أو عرض بيع لا علاقة له بالنية، وسينفذ الأمر إن وصل إليه سعر السوق شاء صاحبه أم أبى، كما أنه لا يسمح بإدخال أمر بسعر خارج نطاق التداول اليومي المسموح به، ما يعني أن أي أمر يدخل في السوق معرض للتنفيذ ولا يمكن أن تحكمه نية المتداول.
أخيراً إن ما قامت به الهيئة في الأسبوع الماضي من توجيه استفسارات لبعض الشركات التي صعدت أسعار أسهمها بشكل كبير في الفترات الماضية، يدل على سوء فهم سلوكيات السوق التي تنادي به الهيئة، ما حدا بالهيئة لسؤال الشركات بشكل مباشر عما إذا كانت هناك تطورات جوهرية لدى تلك الشركات! لا داعي لمثل هذه الأسئلة لو كان هناك نظام واضح ولائحة واضحة، وفي ظل وجود معايير ومتطلبات لحوكمة الشركات. هناك حقيقة عدد كبير من المغالطات والأخطاء المباشرة في لائحة سلوكيات السوق لا مجال لسردها واحدة تلو الأخرى هنا، وأقترح على الهيئة إعادة إصدار اللائحة بالكامل وتضمينها النصوص المفيدة وبالشكل الذي يعكس طبيعة التداول والمتداولين.