القضايا الوطنية والعارضة .. الأولوية لمن؟

قبل أقل من شهر ضبطت قوات الأمن السعودي خلية تجسس تعمل لدولة أجنبية. وذكر البيان أن الخلية مؤلفة من 18 عنصرا، منهم 16 سعودي الجنسية، وكان لهم ارتباط مباشر بالاستخبارات الإيرانية، حسب البيان الصادر من وزارة الداخلية. في حينها توقعت أن تصبح هذه القضية قضية رأي عام تتناغم مع خطورة الحدث وتداعيات الموقف، خصوصا أنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها اللثام عن خلية تجسس تابعة لإيران، فدول خليجية أخرى كشفت هي الأخرى خلايا تجسس في دولها. بل إن التدخلات السافرة من قبل إيران في دول الخليج عموما وفي البحرين على وجه الخصوص، جعلت دول الخليج تراجع مواقفها حول طبيعة علاقتها مع إيران. فقضية التجسس تصنف على أنها من القضايا التي تتعلق بالأمن القومي وتمس كل مواطن بغض النظر عن جنسه ولونه وتعليمه وفكره، ومع ذلك لم يحدث تفاعل حقيقي يتناسب مع القضية سوى بعض الكتابات الخجولة. لا شك أن تكرر التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن السعودي أو الخليجي على وجه العموم يتطلب تضافر جهود الجميع بحيث تصبح قضية شعبية ووطنية. كان الأحرى وقتها أن يتم تناول قضية التجسس الإيرانية من وجوه عدة، خصوصا الدينية والوطنية والفكرية والطائفية والاجتماعية وليس فقط الجهود الأمنية.
في الجانب الآخر وقبل أقل من أسبوع حصلت حادثة عرضية في مهرجان الجنادرية تعرض لها عضو هيئة داخل أحد الأجنحة وبالتحديد الجناح الإماراتي. وبعيدا عن الخوض في تحديد مكامن الخطأ، لعلنا نتفق على أن الحادثة كانت عرضية ولم تكن مقصودة. لكن قضية رجل الهيئة في مهرجان الجنادرية تحولت بقدرة قادر إلى قضية رأي عام، بل أصبحت من أهم ما يتداول في تويتر والواتس أب والفيسبوك خلال هذه الفترة القصيرة. بل إن البعض سوّق للحادثة على أنها مسألة ولاء وبراء، بل قال البعض إن من لم يسهم في استنكار الحادثة مشارك في الجرم، علاوة على قيام البعض بعمل استفتاء حول الموضوع من أجل خلق مزيد من التفاعل وحصد أكبر عدد من الأصوات. هذا التجييش لم يكن الأول وقد لا يكون الأخير، فقد سبق الحادثة تجييش آخر في جامعة نورة ومعرض الكتاب وغيرهما من الوقائع.
عند مقارنة القضيتين الآنف ذكرهما نجد - مع الأسف الشديد - أن لدينا خللا في ترتيب أولوية التفاعل مع قضايانا الوطنية، فالقضايا التي تمس الوحدة الوطنية قد لا يكون لها الاهتمام كما هي القضايا العرضية والمختلف في الحكم عليها. كما أن بعض القضايا الفكرية تحولت إلى ميدان للصراع وميدان خصب لكسب مزيد من الشعبية، فبعض الناس لا يميز بين القضايا الوطنية والقضايا العارضة التي على أقل الأحوال يمكن تصنيفها على أنها حمالة وجوه. الغريب أن الحادث العرضي الذي حدث لرجل الهيئة في الجنادرية فسر تفسيرات تدل على حالة من التوجس و''التكهرب'' إن صحت العبارة لدى بعض فئات المجتمع حول بعض القضايا العارضة والتصرفات الفردية. مع الأسف، أننا كثيرا ما نستهلك في صراعات فكرية لا تشكل أولوية تنموية في المرحلة الحالية. كما أن البلد أغرق في خلافات فكرية حول بعض القضايا التي لا يتجاوز إطارها التعصب الفكري الذي لا يختلف كثيرا عن التعصب الرياضي. ولعلي ختاما أقول: ''إنه من حق الجميع تشجيع النادي الفكري الذي يحبه لكن يجب ألا يكون هذا التشجيع على حساب تشجيع المنتخب والوطن''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي