رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شكراً سوزان

.. من أبسط الأمور ومن أكثرها بدهية أن تجعل الآخرين المحايدين أو البعيدين يتكلمون عنك وعن إنجازاتك، لتكون أكثر مصداقية وقبولا أمام الرأي الآخر أو العام. مهما بجّلت نفسك وإنجازاتك، أحيانا تكون كمن يفرد القوسَ ثم يوجه السهامَ إلى صدره.. وهي سهامٌ بذل فيها الجهدَ والمال، فارتدّتْ عليه!
عبر تاريخنا مع الفلبين مرّت أزماتٌ أو شبه أزماتٍ مع تلك الدولة الأرخبيلية في ''الهادي''، وتشتعل بشكل متعمد للإثارة، وكسعودي تعرف أن الأمرَ ضُخم مع حْشد كثير من العواطف الملتهبة ضد السعودية وضد السعوديين. وقد أرقتني هذه الظاهرة وخصوصا أن تعاملنا التبادلي مع الفلبين بالذات من أهم أنواع التبادل العملي: البشر!
في السفارة السعودية يوما، وكان السفير حينئذ صديقنا الكريم محمد أمين ولي - مساه الله بالخير - ناقشنا الظاهرة بعمق، ورأينا أنه لا بد أن ندعو بين حينٍ وآخر كبار الكتاب والإعلاميين الفلبينيين، ونتحدث معهم بعفوية وبلا رسميات، ليعرفونا جيدا ونعرفهم جيدا، وتكون فرصة مواتية تبدو غير مسبقة الترتيب لمناقشة المواضيع العامة بين البلدين، وكنا نكتشف خلوهم من المعلومات الأساسية عن بلادنا، فأذكر أن كاتبا كبيرا كان يعتقد أن دبي وقبرص من السعودية! إنه خلط وغشاوة عظيمة، وخذ من قاعدة الشعب ما تشاء. والشعب الفلبيني شعبٌ هشّ العاطفة وفيهم ميزة لم أرها بهذا التركيز والشمولية عند شعوبٍ أخرى، أنهم يكادون يجمعون على آلية واستقبالية واحدة في العاطفة وتلبّس الأفكار وكأنها زيٌ موحدٌ يوزع عليهم. وهي وإن كانت قد تبدو ظاهرةً سلبية، إلا أنها أيضا ظاهرة إيجابية إن استطعنا الوصولَ للمقود الذي يقود رأيهم العام.
اجتمعنا في صالة السفارة القديمة مع زبدة عقول الصحافة والإعلام ومفكرين جامعيين في مانيلا وغيرها يمثلون مناطق أخرى. مضى اللقاءُ سهلا جميلا وتبادلنا فيه الرأيَ والمعلومات تحرينا فيها الصراحة والاستدلال، كما عرضنا جماليات بلدهم وقدرتها الكامنة على النمو، وعن مهارة ورقي الفرد الفلبيني.. وروينا قصصا عن فلبينيين بأسمائهم أمضوا في المملكة أكثر من ثلاثة عقود يكادون لا يعودون إلى بلدهم الأصلي إلا كل عدة سنوات، وأمددناهم بواحد من أكبر مفكريهم وكان رئيس رابطة الفلبينيين وراء البحار فرع الشرق الأوسط، وصديقا لمتنفذي القرار في الفلبين ابتداء من سدة الرئاسة، وعمل كاتبا في جريدتنا ''سعودي جازيت'' وصارت هي محط أفئدة الفلبينيين في المملكة وبث فيها آراءه لإرشاد الفلبينيين إلى البلد الذي هم فيه وفهم مجتمعه، وأصدرت الجريدة ملحقا بلغة التاجالو، صارت تُقرأ حتى في مانيلا وبالذات من القيادات، كان اسمُ صاحبنا ''د. جو أفانسينا''. اقترحت عليه أن يُعِد كتابا عن إقامته الطويلة في البلاد، وكتب الكتاب واطّلعتُ عليه، وكان فيه جمال حياة شخص أحبّ البلاد بكل ما جرى له من أحداث صاعدةٍ ونازلة. طلب مني أن أقدم الكتاب وأن يتوّج بكلمة من وزير الإعلام.. على أن الرجلَ صارت له قصة ليس هنا مجالها.
اتصل الإعلاميون بمجموعات فلبينية بالمملكة عن طريق ''د. أفانسينا''، وكانت التغذية الراجعة مشجعة.. ثم زارونا مرة أخرى وهذه المرة بلقاءٍ في الصحف وأرادوه تلفزيونيا بعد ذلك وتريثنا.
أمس في أقوى جريدة في الجرز الفلبينية ''مانيلا بوليتن'' كتبت الكاتبة المعروفة ''سوزان في. أوبل'' مقالا دار في المجتمع العملي هناك بعنوان ''السعودة'' Saudization وتكلمت فيه عما سمّته ''الهجمة الكبيرة Crackdown'' التي قامت بها الحكومة السعودية ضد العمالة المخالفة.
شرحت سوزان بدقة أن العمالة المخالفة أزمة حقيقية في المملكة أمنيا واجتماعيا وعمليا، وطلبت من كل فلبيني أن يحترم رغبة المملكة في تقليل عدد العاملين الأجانب الذين لا يعملون مع موظِّفيهم الأصليين، وأن من حقها توفير أعمالٍ لأبنائها في بحر السيطرة السوقية التي يبدو أنه جرى بها العرف أن تتنقل العمالة بعيدا عن كفلائها الأصليين. وتكلمت عن مشروع نطاقات، وأفهمتهم ألا يعملوا إلا في شركات ضمن النطاق الأخضر وما فوق، لأن العمل في شركاتٍ ومؤسسات في الأحمر يعني خسارة شخصية على العامل نفسه، وطلبت منهم أن من لديه وضع غير واضح، إما أن يصححه نظاماً وإما يعود حالا للفلبين، واختتمت بأن رغبة السعودية في مشروعها للسعودة طبيعية ولا تلام على ذلك.. بل اللوم إن لم تفعل.
شكراً سوزان!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي