أخلاقيات البحث العلمي: الغائب الحاضر!
بدءاً ''أخلاقيات المهنة'' Work Ethics تعني المعايير السلوكية التي يجب الالتزام بها من قبل الممارسين لأي مهنة، سواء كانت في الطب أو الهندسة أو القضاء أو التعليم أو البحث العلمي. ومن المعضلات التي تعانيها معظم الدول النامية وبالأخص الدول العربية، غياب ''أخلاقيات العمل'' عن الأذهان، على الرغم من حضورها في اللوائح والأنظمة!
لا يمكن لأي مهنة أن تتطور دون العناية بأخلاقيات ممارستها، التي تضبط سلوك المنتمين لها وتحمي جميع أصحاب المصالح، وتحفظ حقوقهم سواء كانوا مستفيدين أو ممارسين، إلى جانب حماية البيئة التي يعمل فيها هؤلاء. ومسألة أخلاقيات البحث العلمي لا تقتصر على مكافحة السرقات العلمية وتجريمها، بل تمتد إلى حفظ حقوق المشاركين الذين تطبق عليهم الدراسة، واحترام حقوقهم وإعطائهم حرية القرار بالمشاركة في البحث من عدمها.
والتقدم في البحث العلمي مرهون بدرجة الانضباطية والالتزام بالقيم الأخلاقية للبحث العلمي من أجل تحقيق أهداف البحث العلمي السامية التي تهدف إلى تنمية المجتمع وتحقيق رفاهية الإنسان، بعيداً عن الأهواء الشخصية أو إحداث ضرر لأي طرف من الأطراف. وعلى الرغم من اهتمام كثير من الباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات بأخلاقيات البحث العلمي، فإن بعضهم لا يدرك أبعاد أخلاقيات البحث العلمي وخطورة انتهاك حرمتها على تقدم البحث العلمي، ومن ثم على تنمية المجتمع ودرجة تنافسيته على المستوى الدولي.
أحد الباحثين يقتبس محتوى إحدى الرسائل بالكامل باستثناء الإحصاءات التي عمل على استبدالها في الجداول ببيانات خاصة به، ولا يرى في ذلك بأساً على الرغم من أنه اقتبس المقدمة بالكامل والأجزاء الخاصة بالدراسات السابقة وكذا الجزء الخاص بتحليل البيانات مع تعديلات يسيرة. أليس هذا السلوك المشين، سلبا لجهود الآخرين وانتهاكا صارخا لأخلاقيات البحث العلمي؟!
باحث آخر يحمل درجة علمية عالية يقوم بنفس الأسلوب من خلال سطوه على بحث أحد زملائه المنشور قبله بثلاث سنوات، ويستبدل البيانات داخل جداول النتائج ببياناته، دون أن يغيّر سوى كلمات معدودات! وعندما يُسأل عن هذا السلوك يقول: إن هذا نتيجة الاستعجال لأغراض الترقية، ولا يعكس مخالفة علمية، مبرراً ذلك بأن البيانات داخل جدول النتائج مختلفة، وأن هناك إشارة للبحث ''المنسوخ'' في المراجع!
أساتذة آخرون يسمحون باستخدام أسمائهم للإشراف على رسائل جامعية في جامعات معروفة ببيع الشهادات العلمية مقابل مبالغ مالية! وغيرهم يقومون باستلال أبحاث من رسائل طلاب الدراسات العليا ونشرها بأسمائهم في دوريات علمية، دون علم الطلاب أو إدراج أسمائهم ضمن المؤلفين!
شخصية اجتماعية كبيرة تسطو على مؤلفات الآخرين، دون أن يحرك المجتمع ساكناً، تقديراً لمكانته، بل يوجه اللوم والاتهام للخصم (الضحية) بتلفيق الادعاء لأغراض طلب الشهرة، بدلاً من إنكار انتهاك حقوق الملكية الفكرية التي يحفظها ديننا الحنيف!
المشكلة هنا أن بعض انتهاكات أخلاقيات البحث العلمي تكون نتيجة جهل بالقيم الأخلاقية للبحث العلمي وعدم وعي بحجم المخالفات أو الضرر، وهذه تُعد كارثة علمية في المجتمعات الأكاديمية، عندما تحدث ليس بين الطلاب في المرحلة الجامعية فحسب، وليست بين طلاب الدراسات العليا فقط، ولكن بين أساتذة جامعات برتب علمية عالية!
وأخيراً لا شك أن هذا الموضوع يستحق الكثير من الاهتمام ويحتاج إلى العديد من المقالات والمحاضرات والندوات، لذا أقترح تعزيز مفهوم أخلاقيات البحث العلمي، من خلال السعي الجاد لإيجاد الأنظمة والأدلة الضرورية Code of Ethics التي تؤسس للممارسات الصحيحة وتجرم انتهاكات القيم الأخلاقية للبحث العلمي، ليس على مستوى كل جامعة على حدة، ولكن على مستوى وزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى ذلك ينبغي الحرص على تعزيز القيم الأخلاقية المتعلقة بالبحث العلمي لدى الطلاب، وتنظيم محاضرات ودورات تدريبية لطلاب الدراسات العليا حول أخلاقيات البحث العلمي.