رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«المراجع الداخلي» .. هل يراقب رئيسه في العمل؟

في الوقت الذي تسير فيه السعودية في توجه لا رجعة فيه نحو مكافحة الفساد وإرساء مبادئ النزاهة والشفافية، نفاجأ بأخبار غير سارة تخالف هذا التوجه، ومن ذلك المصير الذي آلت إليه توصية ''نوعية'' طرحتها لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى حين نوقش التقرير السنوي لـ ''الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة'' داخل المجلس، حيث طالبت اللجنة في توصيتها ربط المراجع الداخلي بمجلس الإدارة بدلاً من محافظ الهيئة، لكن – مع الأسف - لم تحظ التوصية بالأغلبية المطلوبة.
والحقيقة أنه إذا أردنا أن نفهم طبيعة عمل ''المراجع الداخلي''، فلا بد أن ننظر إلى ذلك من زاويتين الأولى قانونية، والأخرى تنظيمية.
فمن الناحية القانونية (النظامية)، نجد أن متطلب إنشاء وحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية يستند إلى قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (235)، وتاريخ 20/8/1425هـ، حيث نصت فقرته الثانية على ''تأسيس وحدات للرقابة الداخلية في كل جهة مشمولة برقابة ديوان المراقبة العامة يرتبط رئيسها بالمسؤول الأول في الجهاز، وذلك لتوفير مقومات الرقابة الذاتية والحماية الوقائية للمال العام وترشيد استخداماته والإسهام في رفع كفاية الأداء في الأجهزة الحكومية''، وبعد ذلك صدرت اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية بقرار مجلس الوزراء ذي الرقم (129)، وتاريخ 6/4/1428هـ، التي حددت ارتباط وأهداف ومهام وحدات المراجعة الداخلية وآلية عملها.
أما من الناحية التنظيمية فنجد أن وظيفة المراجع الداخلي في أي مؤسسة – عامة كانت أو خاصة – تتركز في تقييم ومراقبة الأنشطة المالية والإدارية والتشغيلية للمؤسسة، وهذا الدور ''الرقابي'' يقتضي أن نوفر للمراجع الداخلي عددا من المقومات تضمن نجاح عمله، أبرزها الاستقلالية (أن يتحرر من سلطة الأفراد من داخل المؤسسة ممن يقيم أو يراقب أنشطتهم)، والحياد (الحرص على تجنب تضارب المصالح أو الصلاحيات وكذلك تجنب محاباة الأفراد أو الإدارات).
ومن المهم أن ندرك أن العلاقات التنظيمية داخل المؤسسة تخضع - عند بناء الهيكل التنظيمي أو إعادة بنائه - لمبادئ أساسية عدة، هي:
- مبدأ وحدة الهدف: أن تكون الأهداف التي قامت المؤسسة من أجلها وتسعى إلى تحقيقها واضحة.
- مبدأ تقسيم العمل (التخصص): أن يتم تحديد مسؤولية كل موظف تجاه العمل داخل المؤسسة.
- مبدأ وحدة الرئاسة: أن يتم توحيد المرجعية بأن يكون لكل موظف مدير واحد يتلقى منه التوجيهات (لا يمكن أن يكون للموظف أكثر من رئيس في وقت واحد!).
- مبدأ تناسب المسؤوليات مع الصلاحيات: أن يتم التوفيق بين حجم المسؤوليات (مهام حل المشكلات) وحجم الصلاحيات الممنوحة (سلطة اتخاذ القرار).
- مبدأ الوظيفة: أن يتم التنظيم الإداري على أساس نوع العمل المطلوب (الوظيفة)، وليس على أساس الأفراد.
- مبدأ قصر خط السلطة: أن يتم تحديد المستويات الإدارية، وفق حاجة العمل، علما أن فاعلية المؤسسة تزداد كلما قلت المستويات الإدارية.
- مبدأ المرونة: أن يتمتع التنظيم بالقدرة على سرعة التكيف مع المتغيرات داخل المؤسسة وخارجها دون الحاجة إلى التغيير الجذري.
تلك كانت مبادئ عامة للتنظيم الإداري، توضح علاقات منها علاقة ''من يرتبط إداريا بمن؟''، وعندما نستند إلى قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (235)، واللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية، نلاحظ أن ''المسؤول الأول''، الذي أشارت إليه هذه النصوص القانونية يعرف، وفقا لـ ''اللائحة'' على أنه ''أعلى سلطة إدارية في الجهة''، وإذا أخذنا هذا التعريف وطبقناه على ''الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة''، فإن أعلى سلطة إدارية فيها تتجسد في ''مجلس الإدارة'' وليس ''محافظ الهيئة''، خاصة إذا علمنا أن المادة (12) من نظام الهيئة تنص على أن ''مجلس إدارة الهيئة هو المهيمن على شؤونها ووضع سياستها واتخاذ كل ما يلزم لحسن قيامها بمهامها''، كما نصت الفقرة السادسة من المادة ذاتها على أن مجلس الإدارة يتولى الإشراف على أعمال الهيئة الفنية والإدارية والمالية ومراقبتها، إضافة إلى أن اللائحة المالية للهيئة أكدت أن مجلس إدارتها يمثل السلطة العليا ويهيمن على أمورها كافة ورسم السياسة والقواعد، التي تسير عليها من النواحي الفنية والمالية والإدارية وإصدار القرارات واللوائح لهذه السياسة.
إذن، على أي أساس قانوني أو تنظيمي يمكن تبرير ارتباط المراجع الداخلي بالمحافظ؟ إذا لم يكن المراجع الداخلي مرتبطا بمجلس الإدارة فكيف يستطيع أن يؤدي مهامه الرقابية باستقلالية وحياد كاملين؟
حتى لو تجاوزنا الاعتبارات القانونية والتنظيمية، فالمنطق يحتم علينا أن نتفحص أداء المراجع الداخلي بالنظر إلى طبيعة العلاقة الحالية في الهيئة بين المراجع الداخلي (باعتباره مرؤوسا) والمحافظ (باعتباره رئيسا)، فهذا في حد ذاته يكشف لنا عن خلل، وسيكون شأن ''المراجع الداخلي'' شأن أي موظف آخر في الهيئة ممن يخضع لسلطات المحافظ الإدارية والمالية.. مرة أخرى: أين الاستقلالية والحياد؟
إذا أردنا أن نسير في توجه قيادتنا نحو إرساء مبادئ الشفافية، ومنها الالتزام الكامل بتحقيق الحوكمة فيما يتعلق بالمراجعة الداخلية، فإننا نتطلع من مجلس الشورى، ممثلا في كل لجانه، أن يسير في التوجه الذي سارت عليه ''لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة''– رغم المقاومة التي تعرضت لها من البعض في المجلس- حين طالبت اللجنة بربط المراجع الداخلي بمجلس الإدارة بدلاً من محافظ الهيئة، فلو تمت الموافقة على التوصية، لاستطعنا أن نعمم تجربة هيئة المواصفات على مؤسسات وهيئات حكومية أخرى!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي