«الجنادرية» .. هل تحقق أهدافها؟
قدر لي أن أزور المهرجان الوطني للتراث والثقافة الـ 28 مع أحد الأصدقاء وأحد الأبناء، ومع زياراتي له في سنوات سابقة إلا أنني في كل زيارة أجد شيئاً من التغيير قد حدث في مشاركات المناطق، كما وجدت استقراراً وثباتاً في أنشطة أخرى.
تساؤلات كثيرة تراودني كلما أزور المهرجان حول إن كانت هناك نظرية تستند إليها الفكرة، إضافة إلى التساؤلات بشأن الأهداف المرسومة، وهل الأنشطة المقدمة جاذبة للجمهور أم أنها تعاني الروتين نظراً للتكرار وعدم التجديد؟
بالنسبة لي أعتبر المهرجان برنامجاً سنوياً يستهدف الربط بين الأجيال الحاضرة ومن سبقها من أجداد وآباء بما حملته الفترة التي عاشوها من مكونات حضارية وثقافية في نمط المنزل، والأثاث، وسبل العيش التي لا يمكن فصلها عن ظروف البيئة في جانبها المادي الذي اتسم بقلة الموارد وشظف العيش، وانعدام الخدمات من طرق ووسائل اتصال وآلات وتقنيات تسهم في تسهيل الحياة كما هو الآن.
أما الجانب الاجتماعي فيتمثل في العادات والتقاليد ومستوى التعليم لأبناء المملكة في حقب سابقة، الذي لم يكن بمستوى جيد إن لم يكن معدوماً عدا ما له علاقة ببعض النصوص الدينية من قرآن وسنة التي لا بد منها لمزاولة العبادات.
أثناء التجول أتساءل: هل نحن نعرض الثقافة والواقع المعيش بكل ما تعنيه هذه الكلمة أم أن الهدف استرجاع وتذكر كيف كان الأجداد والآباء من قبل؟ وكيف كانت حياتهم؟ وكيف كانوا يديرون شؤونهم اليومية؟ وما الإمكانات المتوافرة لديهم؟ عندما أزور جناح منطقة عسير أو الباحة أو جازان أو نجران أو الحدود الشمالية وغيرها من المناطق ألمس شواهد لذلك الماضي الذي تغير في شقه المادي، لكن يبقى التساؤل: هل صاحب هذا تغير في طريقة التفكير والمشاعر لدى الناس؟ وما نوع هذا التغيير أهو للأحسن والأفضل؟!
التداخل بين معطيات الحاضر والماضي تجعل الفرد يحتار هل عملية المزج هذه مقصودة من الجهة المشرفة على المهرجان، أم أنها حدثت دون قصد؟ لقد شاهدت معرض سيارات في المهرجان، كما شاهدت مطاعم غربية مثل ماكدونالدز، وغيره، وتساءلت ما علاقة هذه بالتراث، والثقافة؟ وهل وجود هذه الأشياء وغيرها من مظاهر الحضارة الحديثة يسهم في تحقيق الأهداف التي رسمت للمهرجان، أم أن الأهداف ضاعت في معمعة عدم الوضوح في التصور النظري والآليات الواجب استخدامها لتحقيق الأهداف المعتمدة والمرجوة؟
المهرجان يمثل بيئة جاذبة خاصة للشباب والأطفال لما يجدونه من تغيير في الحياة اليومية لما فيه من نشاطات ترفيهية، لكن هذه البيئة قد تتحول إلى عامل تحفيز على اكتساب عادات سيئة، وهذا ما لاحظته حيث بعض الأطفال يجولون ويدخنون، وحبذا لو منع التدخين في المهرجان أسوة بمنعه في الدوائر الحكومية.
عندما تقبل على المهرجان يسترعي انتباهك الكم الهائل من السيارات وتتساءل لو عقد المهرجان في زمن الآباء والأجداد ماذا سترى؟ حتماً سيكون الجواب الدواب من جمال وخيول وحمير مع أدواتها وما هو داخل المعرض سيكون لأدوات ونظم حياة من سبق من أجيال. الحكم على تحقق أهداف المهرجان حتماً يتم من خلال التغيرات التي يحدثها في النفوس، والعقول، وفي السلوك كنتيجة حتمية، وهذه مجتمعة تكشف مدى الجودة في إخراج المهرجان من عدمه.
النشاطات الثقافية التي كانت سائدة في النسخ الأولى من المهرجان كانت ذات جاذبية وحضور واهتمام من شرائح متعددة في المجتمع، لكن المهرجان في نسخه الأخيرة تحول إلى مهرجان تسويقي، ومع أهمية هذا إلا أنه طغى على هدف زرع واستنبات الارتباط بقيم الماضي وثقافته الأصيلة.
إذا ما قدر للقائمين على المهرجان معرفة تحقيق المهرجان أهدافه أو جزءا من الأهداف فإن المترتب على ذلك سيكون البحث عن آليات وأنشطة تسهم في تحقيق الأهداف، لذا لن تكون الأنشطة المتكررة هي الأساس في ذلك.