رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أسواق النفط العالمية فقدت اتجاهاتها الموسمية

لقد لعبت الاتجاهات الموسمية لأساسيات أسواق النفط العالمية (الطلب، العرض وحركة المخزون النفطي) دورا مهما في أسواق النفط ولمدة طويلة. على سبيل المثال، ارتفاع الطلب على وقود التدفئة في فصل الشتاء في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية وارتفاع استهلاك وقود السيارات في موسم القيادة في فصل الصيف في الولايات المتحدة خلق نوعا من الاتجاهات التصاعدية في الطلب على وقود التدفئة والبنزين في هذين الفصلين على التوالي، هذا الارتفاع الموسمي في الطلب أثر بدوره في توقيتات الصيانة الدورية لشركات التكرير ولمنتجي النفط الخام لتلبية حاجة تلك الأسواق من النفط والمنتجات، كذلك أدى إلى خلق نمط معين لحركة المخزون النفطي. لكن هذه الاتجاهات الموسمية في العرض والطلب التي سادت لمدة طويلة، تشهد منذ فترة تغيرا في التوقيتات. إن ارتفاع الطلب في فصل الشتاء والصيف في نصف الكرة الشمالي، حدا بشركات التكرير إلى جدولة الصيانة الدورية لمصافيها في فصل الربيع والخريف، عندما يكون الطلب على المنتجات نوعا ما ضعيفا بالمقارنة مع فصل الصيف والشتاء. منتجي النفط الخام حذوا أيضا هذا المنوال. على سبيل المثال، منتجي النفط الخام من خارج منظمة أوبك مثل منتجي بحر الشمال يجدولون عادة الصيانة الدورية في فصل الربيع والصيف، وليستفيدوا أيضا من تحسن الأحوال الجوية، في حين أن منظمة أوبك تتداول سنويا للتعامل مع الركود الموسمي المتوقع في الطلب على النفط في الربع الثاني من العام.
يمكن القول إن أهم العوامل وراء هذه التغيرات في الاتجاهات الموسمية هو في ارتفاع الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، وتحول مركز ثقل أسواق النفط العالمية بعيدا عن حوض الأطلسي. هذا يعني أن ذروات الطلب على النفط في أوروبا وأمريكا الشمالية أصبحت أقل أهمية بالنسبة لأسواق النفط العالمية، في حين أن أنماط الطلب على النفط في الدول الرئيسة غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي مثل الصين والهند أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لأسواق النفط. وهناك أيضا عنصر الجغرافيا في هذا التحول، على الرغم من أنه غير واضح كما هو متوقع.
استهلاك النفط قد استقر بالواقع في المناطق التقليدية للطلب العالمي على النفط من نصف الكرة الشمالي، ويرتفع في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، مثل الهند، المملكة العربية السعودية، الأرجنتين وجنوب أفريقيا، وتقع هذه الدول إما في نصف الكرة الجنوبي أو في المناطق المدارية بين الخطين الوهميين لمدار السرطان ومدار الجدي. لكن النمو في الطلب على النفط في الصين، قابله انخفاض واسع النطاق في أوروبا وأمريكا الشمالية، ما يعني أن حصة استهلاك النفط العالمي شمال مدار السرطان قد بقت مستقرة نسبيا عند نحو 76 في المائة.
مع بروز دور الصين والهند وغيرها من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي كمركز رئيس لنمو الطلب العالمي على النفط وتعاظم أهميتها في مزيج الطلب على النفط العالمي، برزت أيضا أهمية الصيانة الدورية لمصافيها وأنماط إدارة مخزونها النفطي، والتي تختلف نوعا ما عن تلك التي في أوروبا وأمريكا الشمالية.
صيانة المصافي في معظم الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي تتم عادة في وقت لاحق من السنة، في حين أن أنماط إدارة المخزون النفطي فيها تكون عادة لتلبية الحاجة الأساسية فقط، حيث إن التركيز على الخزين فيها أقل من ما هو عليه في الدول المستهلكة الرئيسة ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، حيث تسعى الأخيرة إلى رفع مستوى خزينها النفطي فوق معدلاته الطبيعية قبل موسم ذروة الطلب على النفط أو المنتجات النفطية. هذا التفاوت في أنماط إدارة المخزون بين الفريقين يساعد على تفسير بعض التغييرات التي طرأت على حركة المخزون النفطي الموسمي على مدى السنوات القليلة الماضية.
الربع الأول من السنة شهد التغيير الأبرز في الخزين الموسمي، في هذا الفصل كنا نشهد عادة تراجع في مخزونات النفط العالمية لتلبية الطلب المتزايد على زيت التدفئة في نصف الكرة الشمالي. لكن على مدى السنوات الست الماضية شهدنا ارتفاعا في مستوى المخزون في الربع الأول من السنة، هذا أيضا في طريقه إلى الحدوث مرة أخرى في هذا العام، مما يعكس أن فصل الشتاء على مدى السنوات الأخيرة كان أكثر اعتدالا، ويعكس أيضا بوضوح أكثر قيام الشركات بخفض الخزين في شهر كانون الأول (ديسمبر) لأمور تتعلق بالضرائب. وكنا نشهد عادة ارتفاعا متواضعا في المخزون النفطي في الربع الثالث من السنة، لكن السنوات الأخيرة شهدت في المتوسط تراجع في المخزون؛ ما يعكس الارتفاع المتسارع في الطلب على النفط في فصل الصيف في البلدان الرئيسة غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي مثل المملكة العربية السعودية.
العامل الآخر الذي أثر في الأنماط الموسمية لأساسيات أسواق النفط العالمية على مدى العقد الماضي هو النمو المتزايد للدور المالي في أسواق النفط العالمية أو ما يعرف بـFinancialization of oil markets. إن التداول في العقود الآجلة للنفط بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن هذا القطاع توسع بصورة كبيرة جدا في السنوات الأخيرة؛ ما جعل الأسواق تتفاعل الآن مع الاتجاهات الموسمية في وقت مبكر. ما يحدث في العقود الآجلة للنفط يؤثر أيضا في أسواق النفط الفعلية (Physical Oil Market)، هذا يعني أن أي تأثير لأسعار النفط نتيجة ارتفاع الطلب على وقود التدفئة في فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي تستشعر به وتتفاعل معه الأسواق في أواخر كانون الثاني (يناير)، عند انتهاء صلاحية العقود الآجلة لشهر آذار (مارس)، أي قبل فترة من النهاية الفعلية لفصل الشتاء. ينطبق الشيء نفسه على موسم قيادة السيارات الصيفي في الولايات المتحدة، حيث إن أي قفزة في أسعار البنزين في الولايات المتحدة تنتهي عادة بحلول منتصف الربيع، قبل فترة طويلة من الذروة الفعلية في الطلب على البنزين في تموز (يوليو) وآب (أغسطس).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي