الصحة من الضروريات الخمس في الشريعة الإسلامية.. والحاجة الماسة إلى التأمين الصحي
كشف مختصون ماليون وشرعيون أن الصحة والعلاج من الضروريات الخمس في الشريعة الإسلامية، معتبرين أنها من ضروريات حفظ النفس, مشيرين إلى أنه لا يمكن للدول تغطية التكاليف الصحية كاملة، ما يوجد حاجة ماسة إلى التأمين الصحي لتغطية تكاليف العلاج.
وقالوا خلال الندوة التي نظمتها الجمعية الفقهية السعودية بالتعاون مع قسم الدراسات الإسلامية والعربية ومركز التميز البحثي للمصرفية الإسلامية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بعنوان "التأمين الصحي من منظور شرعي واقتصادي", "إن حاجة الحكومات إلى تطبيق التأمين الصحي أكثر من حاجة المواطنين، لأن التأمين الصحي يطور الاقتصاد وإن الدول بحاجة إلى أن يكون مواطنوها أصحاء. وأوضحوا أن الدراسات أثبتت أن التأمين الصحي سبب لإطالة حياة الفرد ويقلل من المشاكل الاقتصادية ومن التكلفة العامة للتأمين، ويرفع من مستوى العمالة لأنه يقلل العجز والغياب عن العمل.
#2#
#3#
وبدأت الندوة بالحديث عن التأمين بمفهومه الشامل، حيث عرف الدكتور محمد الزهراني أستاذ المالية والاقتصاد المساعد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التأمين بأنه عقد بين شركة التأمين والمؤمن عليه تعوض شركة التأمين بموجبه المؤمن عليه عن الخسائر المحتملة في المستقبل مقابل مبلغ التأمين بشكل دوري، وفي معظم الحالات يدفع حامل الوثيقة جزءا من الخسارة ويسمى "مبلغ الخصم" وتغطي شركة التأمين الباقي.
وقال إن التأمين أداة فعالة لإدارة المخاطر عن طريق تقاسم المخاطرة risk pooling، ويقلل التأمين من تكلفة تحمل المخاطر بالنسبة إلى الفرد، ولا يلغي التأمين احتمال حصول الخطر لكنه يقضي على الشك في تكاليف تغطية المخاطر، كما يساعد التأمين على الاستفادة القصوى من السيولة في الاقتصاد، ويزيد من قدرة الأفراد والمؤسسات على تحمل المخاطر، وبذلك يزيد مشاركتهم في التنمية الاقتصادية.
وحول مفاهيم التأمين أوضح الزهراني أن التأمين أداة لإدارة المخاطر عن طريق تفتيتها، يعتني التأمين بالمخاطر الطبيعية ولا تحدث باختيار الشخص، ويعتمد التأمين على علم الاحتمالات والرياضيات الاكتوارية، ومن خصائصه أن يشترك في الصندوق أشخاص احتمالية تعرضهم للخطر متقاربة، وأن تكون احتمالية حدوث الأخطار عشوائية، ويجب أن تكون للمؤمن عليه مصلحة مباشرة في التأمين، وألا تكون احتمالية حدوث الخطر كبيرة لشريحة كبيرة جدا أو صغيرة جدا من المشاركين.
وعن الآراء الشرعية في التأمين التجاري قال إنه يتصف بـ"الغرر"، فكلا الطرفين يجهل العاقبة ولا يعرف ما سيحصل عليه في النهاية، كما أنه يمكن الاستثمار فيه بأدوات غير شرعية، أما أهم مشاكله الاقتصادية فهي تعارض المصالح بين أصحاب شركات التأمين والمؤمن عليهم.
وحول التأمين الصحي في المملكة قال الزهراني إنه يؤمن على التكاليف الطبية والأدوية وجميع الخدمات والمستلزمات الطبية والعلاجية وإدارة البرامج الطبية.
وقال يتم مراقبة شركات التأمين الصحي في المملكة من قبل مؤسسة النقد السعودي من خلال إدارة مراقبة التأمين، ومن لجنة الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية، ومجلس الضمان الصحي التعاوني، ولجنة مخالفات نظام الضمان الصحي التعاوني.
ولفت إلى أن منظمة الصحة العالمية تدعو إلى تطوير التأمين الصحي في جميع بلدان العالم، واستعرض الدكتور الزهراني تجارب التأمين في بعض دول العالم، مؤكدا أن حاجة الحكومات إلى التأمين الصحي هي أكثر من حاجة المواطنين، لذلك التأمين الصحي يطور الاقتصاد والدول بحاجة إلى أن يكون مواطنوها أصحاء.
وأشار إلى أن التأمين الصحي يقلل من تكلفة الحصول على الخدمة الصحية في حال توفير الخدمات الصحية للجميع, إضافة إلى أنه يساعد على محاربة الفقر ويزيد من إنتاجية الفرد.
وقال إن الدراسات أكدت أن التأمين الصحي سبب لإطالة حياة الفرد ويقلل من المشاكل الاقتصادية ومن التكلفة العامة للتأمين، ويرفع من مستوى العمالة لأنه يقلل العجز والغياب عن العمل.
وأوضح أن الخدمات الصحية الجيدة تتطلب تطويرا اقتصاديا واجتماعيا، كما أن ضعف الخدمات الصحية يسبب مشاكل مالية للعائلات ويسبب ضعفا في النمو الاقتصادي ويتوافق قصور الخدمات الصحية مع قصور الخدمات الأخرى وسوء التغذية وشح المياه النظيفة.
وقال إن الدول تختلف في برامج تأميناتها الصحية فهناك دول تلزم بالتأمين الصحي ويبقى اختياريا في دول أخرى. ففي الولايات المتحدة مثلا لا يستطيع 16 في المائة من الشعب الأمريكي الحصول على خدمات صحية لأن التأمين الصحي غير ملزم، ولذلك تبقى الخدمات الصحية أحد أهم محاور الانتخابات الأمريكية.
واعتبر الزهراني عائدات شركات التأمين في المملكة من أموال المؤمنين مرتفعة جدا، لافتا إلى أنه يجب على الشركات الاعتماد على عوائد الاستثمارات لتحقيق أرباحها، وأضاف "في المملكة تعود ما نسبته 70 في المائة فقط من أموال عملاء شركات التأمين للتعويض عن الأضرار وتأخذ الشركات 30 في المائة وهي نسبة كبيرة جدا، وقال إنه يجب ألا تزيد نسب الشركات على 15 في المائة، ويمكنها تحقيق أرباح إضافية من الاستثمارات، مشيرا إلى أن الشركات في الولايات المتحدة تأخذ أقل من 15 في المائة من أموال العملاء فقط وتعيد الباقي على شكل تعويضات.
وبين أن قطاع التأمين في المملكة ينمو بنسبة 12 في المائة سنويا، ولكن حجمه لا يزيد على 0.5 في المائة من الناتج المحلي، وتذهب 52 في المائة من مجموع مبالغ التأمينات للتأمين الصحي. وبالمقارنة يبلغ حجم قطاع التأمين في الولايات المتحدة من 10 إلى 15 في المائة من الناتج المحلي.
المملكة تنقصها المعلومات لكي يتم تحديد القيمة العادلة للقسط، لحداثة التجربة وسيطرة أربع شركات فقط على 70 في المائة من حجم السوق؛ بينما يبلغ نصيب 31 شركة 30 في المائة فقط.
عروض التأمين لا تقدم جميع الخدمات
ضعف القدرات الاستثمارية وغياب المعلومات وعدم قدرة القطاع الخاص على تقديم خدمات صحية مناسبة أهم مشاكل التأمين الصحي.
وقال الدكتور خالد آل سليمان أستاذ في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, إن التأمين بشكله الحالي بدأ في عام 1966 بعد حريق لندن الذي التهم 85 في المائة من المدينة، وقد استغل تجار التأمين البحري الفرصة لإيجاد التأمين ضد الحريق، ولكن التأمين البحري قبل ذلك بسبعة قرون.
وقال إن أول من تحدث عن التأمين من علماء المسلمين كان ابن عابد الحنفي المتوفى سنة 1252 للهجرة، ولكن هناك دراسات أثبتت أن الفقيه المالكي أشهب القيسي المتوفى سنة 204 هـ كان قد تحدث عن التأمين قبل ذلك بقرون عدة.
من جانبه قال الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز البحثي في المصرفية الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن التأمين, إن اتجاهات الفقهاء مختلفة، فمنهم من ذهب إلى التحريم أو الإباحة مطلقاً، ومنهم من حرم التجاري وأباح التعاوني.
وحول مسوغات التحريم ذكر الشلهوب أن أهمها "الغرر" وهناك من شبهه بالربا، لأنك تدفع مبلغا بسيطا وقد تحصل على قيمة تعويض أكبر، كما شبهه البعض بالقمار لأن البعض يدفع ولا يحصل على شيء، بينما البعض يدفع ويحصل على أضعاف ما دفعه.
ورد الشلهوب رأي من وصفه بالقمار، وقال القياس غير سليم لأن التأمين "جد" والقمار "لعب" وفي التأمين لا تحصل على مال بالحظ، بل تحصل على تعويض إذا تعرضت إلى ضرر.
وعن مفهوم التأمين الصحي أوضح أنها وثيقة التأمين التي تغطي تكاليف العلاج متضمنا الفحوص والتشخيص لحالة المؤمن والمعالجة السريرية والدواء.
وقال إن الصحة والعلاج من الضروريات الخمس في الشريعة الإسلامية، فالعلاج من ضروريات حفظ النفس، ولا يمكن للدول تغطية التكاليف الصحية كاملة وهناك حاجة ماسة إلى التأمين لتغطية تكاليف العلاج، وبالنظر إلى التجارب العالمية للتأمين الصحي فإنه يتم من خلال الضرائب والقطاع الخاص ومن خلال المؤسسات غير الربحية.
وأضاف "أن السعودية تظل مسؤولة عن توفير الخدمات الصحية لأن القطاع الخاص في المملكة لا يقوم بدور مؤثر وتبقى الخدمات الصحية التي يتم تغطيتها قاصرة عن معالجة الحالات الصعبة والمستعصية كما أن شركات التأمين لا توفر جميع المستشفيات".