الغذاء والدواء.. وأهمية التوعية
لم يكن الآباء والأجداد يهتمون بنوعية غذائهم.. ربما للفقر الذي عاناه سكان هذه الأرض قبل أن يتدفق الذهب الأسود من باطنها.. لكن كما يقال "على نياتكم ترزقون".. كان إنتاج مزارعهم من القمح والتمور من أجود الأنواع، ولذا شكل مع حليب مواشيهم غذاء متكاملاً.. وكانوا لا يأكلون اللحم إلا في المناسبات، وثبت أخيرا أن لذلك فوائد صحية كبيرة.. أما جانب الدواء فإن في أرضنا من الأعشاب ما يشكل نسبة كبيرة من الدواء المتداول الآن.. وكان لتلك الأعشاب استعمالات متعددة كافح بها الآباء والأجداد أمراضهم.
بعد هذه المقدمة أصل إلى الحديث عن وضع الغذاء والدواء في وقتنا الحاضر، فلقد فتحت علينا أبواب النعم "ولله الحمد" لكن الغش قد انتشر وأصبح الإنسان يشك في كل شيء حتى الأطعمة التي يقال عنها "طازجة" ونقية من الكيماويات لم تعد كذلك، وسارعت الدول إلى إنشاء هيئات للغذاء تراقب وتحلل وتحذر وتمنع. ولم يقتصر الغش على الغذاء بل امتد إلى الدواء الذي يلجأ إليه الناس للشفاء من الأمراض التي معظمها بسبب الغذاء.. ولذا امتدت صلاحيات هيئات الغذاء لتشمل الدواء لارتباط أحدهما بالآخر.. ولحقت بلادنا بالدول الأخرى فأنشأت في عام 1424هـ هيئة مستقلة للغذاء والدواء بعد أن كانت صلاحيات مراقبة الغذاء والدواء متداخلة بين جهات عديدة ترمي كل منها المسؤولية عند حدوث أي مشكلة على الأخرى. ولأهمية الموضوع أسندت رئاسة مجلس إدارة الهيئة إلى ولي العهد، وضم في عضويته مجموعة من الوزراء وممثلين عن القطاع الخاص وبعض المتخصصين في مجالي الغذاء والدواء.. أما الجهاز التنفيذي للهيئة فقد تم اختياره بعناية، ووضعت المهنية العالية كأهم شرط للاختيار. ولو استعرضنا أهداف الهيئة لوجدنا أنها كفيلة بإعطاء الاطمئنان إذا تم تطبيقها بحزم بعد أن استكملت الهيئة الأنظمة والتشريعات التي تساعدها، وتم تأسيس المختبرات في جميع منافذ الدخول لتحقيق إحكام الرقابة على ما يرد إلى بلادنا من غذاء ودواء ومستحضرات تجميل وغيرها.
وأخيراً: هناك نقطة مهمة أثرتها في لقاء تم يوم الإثنين الماضي بين الدكتور محمد الكنهل رئيس هيئة الغذاء والدواء ومساعديه مع نخبة من الإعلاميين في منزل الزميل عبد الوهاب الفايز، وهي أن تهتم الهيئة بالتوعية، حيث يصبح المواطنون والمقيمون أيضاً شركاء معها في مراقبة الغذاء والدواء بعد أن يعلم الجميع كيف يكتشفون علامات الغش، ثم كيف يبلغون عن ذلك، وأهمية أن يشعر كل منا بأنه مسؤول، وأن التغاضي عن الإبلاغ خيانة وإهمال يضر به وبأسرته وبالآخرين. جانب آخر للتوعية تم الحديث عنه في ذلك اللقاء الطيب والمفيد وهو أن في الأدوية بدائل يختلف السعر بينها ولكن المفعول واحد، ويشارك (بعض) - ولا أقول كل - الأطباء والصيادلة في الترويج للأدوية المرتفع سعرها لقاء فائدة لهم تتمثل في الهدايا والرحلات المجانية للمؤتمرات الخارجية بدعوة من شركات الأدوية.. ولو كان هناك توعية لبدائل الأدوية لأصبح الناس يسألون ويشترون ما يناسب إمكاناتهم المادية .. ولقد كان الخلاف على نقطة التوعية مع رئيس الهيئة أن الجهات الرقابية في العالم لا تظهر كثيراً في الإعلام.. وهذا صحيح إذا كان الأمر للدعاية أو مديحا القائمين عليها.. لكن التوعية شيء آخر لا علاقة له بالظهور الإعلامي.. فهل تعيد الهيئة النظر في أهمية برامج التوعية؟!