رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


انتصار التسامح على الدم.. لا حرب ثالثة في الخليج

مضى زمن بعيد، وأريق الكثير من الدم، وزهقت الكثير من الأرواح البريئة، لكون الإنسان ما زال يقتل أخاه في الإنسانية من أجل تحقيق ــــ انتصار ـــــ متصور على غنيمة مادية.. أرضًا أو ماء أو ذهبًا! وحتى بداية القرن الـ 19 كان الكاتب ـــ كارل فون ــــ في كتاب له كتبه في آخر حياته العلمية اسمه ــــ في الحرب on war. خلص فيه إلى أن ــــ الدم ــــ هو ثمن كل نصر يمكن أن يتحقق في أي معركة!
أي أن الإنسان يجب عليه أن يكون قادرًا على القتل أولًا من خلال ــــ قوة السلاح ــــ قوة ـــــ آلة القتل ــــ وهي الصناعة التي منذ بدأت لم تتوقف في شراستها وقوتها وجبروتها وبطشها بالجنس البشري. بالجملة الرصاصة كانت تقتل إنسانًا في كل طلقة تطورت وسيلة القتل إلى قنبلة، وصاروخ يقتل المئات في كل طلقة وفي مرة واحدة.. والقاتل يرى نفسه قد تلبسته بطولة وبات أقرب من ــــ النصر ــــ لكونه دفع ثمنه المطلوب وهو الدم.. والكثير من الدم!
لم يتطور هذا ــــ الإنسان ـــــ أخلاقيًّا، حيث يكون كسائر الحيوانات الأخرى تتقاسم الموارد، ولا تتقاتل الأجناس فيما بينها، والقتل لغيرها لا يتجاوز اصطياد طريدة البقاء. أي كما يأكل الإنسان الطير والسمك والخراف.
لم يتغير الكثير عبر الزمن.. ظلت الحروب، وقتال أبناء آدم لبعضهم.. كطاحونة من صخر تحطم أنفسًا كثيرة وهي تصرصر بصوتها، لتواري صراخ ضحاياها!
استمر الحال حتى المقابر حشرت بما يعادل قتل سكان الأرض سبعة آلاف مرة هم ضحايا الحروب عبر التاريخ! أرسلهم إخوانهم في الإنسانية إلى القبور.. حرقًا.. وتفجيرًا.. ورصاصًا.. وإن شحت الموارد سكينًا.. ونحرًا.. ودفنًا.. في كل مكان من الأرض.. ــــ سفك الدماء الحرام ــــ يتكرر قول الملائكة لله ''أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء''؟. سفك الدم الحرام إفصاح عن فساد الإنسان وبغيه وطغيانه، واستحقاقه لغضب الله وسخطه عليه. القتل آخر درجات الفساد في الجنس البشري، وهو الآن أكثر الأشياء شيوعًا في العالمين العربي والإسلامي، وأكثره تكرارًا فيه، ولا ينافسهم أحد عليه. حتى الأسماع ألفته، وحتى القلوب انسحب عنها حس الرهبة منه، وحتى الضمائر اقتربت لتعيش بالقرب منه، صامتة عن وقعه، أو راضية عنه.
كل هذا العظيم من الفساد الذي تخاف منه الملائكة في السماوات العلا، من أجل انتصارات يتركها طالبوها بعد موتهم وهي ليست ذات قيمة.. أو كأن الظلم الشنيع الذي قامت عليه.. جعلها لا تستحق أن يمنحها الله الاستمرار والبقاء والخلود.
كل حرب هي عبث، وجنون، وتدمير كل حاضر الإنسان وخطف مستقبله، ومستقبل أبنائه.
إن بعض علماء التاريخ يتصور ضحايا الطمع البشري الساذج، والقتل باسم الله، والفروقات العقدية والسبي، والقتل من أجل الموارد، ومن أجل ناقة وغيرها من توافه الأمور وصغارها. بمليار و75 مليون ضحية.. قتلتهم حروب لا تتوقف! وأن الـ 100 سنة الأخيرة قتل فيها بما يعادل في العدد ثلاثة آلاف سنة! لكون القتل قد تطورت أساليبه إلى طرق مروعة جدًّا، لم يحترم فيها أي مقدس! ولم يتوقف عند رحمة.
إذا لم يكن قول الملائكة لله عن مستقبل فساد هذا الجنس البشري، واستباحة الدم الحرام، مصادفة محضة، ولا قولًا من مرسل. قال تعالى في كتابه الكريم: ''إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون''. الفساد وسفك الدم الحرام! وهذا الذي لم يتركه ابن آدم من لحظة قربان بني آدم إذ قدما قربانا، انتهى بقتل أحدهما للآخر.
ليس من سبيل إلا العيش مع التناقضات، وتقبل المختلف، والرضا بأن نكون مختلفين، والرضا بأن السياسة حركة غير مستقرة، تتعاقب عليها صور شتى.. ولكن الجغرافيا باقية، والشعوب لا تبدل أراضيها، والدول لا تختار جيرانها. والإنسان الضعيف العاجز هو وحده من يدفع ثمن غضب السياسة وقرار حروبها!
الجغرافيا عبر التاريخ هو قدر لا مرد له، ولا أحد بوسعه أن يبدل ما فيه، وإن فاتورة الدم ـــ لتحقيق ـــ انتصار ــــ يتحول في حقيقته إلى هزيمة مروعة.
كذعر الدولة التي استباحت كل جيرانها وساقت أرواحًا بريئة بما لا عد لها، ولا عدد.. ثم وجدت نفسها تتوارى خلف جدار، خاف القاتل من ضحاياه، وارتعب السجان من السجين.
البقاء لروح التسامح، وحكمة التبصر بالمآل، واليقين أن ما تدمره الحرب.. لا تترك خلفها ما يصلح ليسمى نصرًا إلى أي أحد. عبر التاريخ وفي كل مكان.. يتعين القفز فوق الشعور بالقوة، وقوة الردع، وتمكين كل الوسائل الممكنة للعبور إلى قدر عاقل من حسن الظن، والثقة المتبادلة التي تقي البلاد والعباد هلاك الحرث والنسل وسفك الدم التي حرم الله. والله لا يحب الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي