رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما نتصدى للقضايا بانتهاك الحقوق

قال أحدُنا ونحن نناقش مشكلة زحمة المرور التي تتفاقم بمرور الزمن، إنه على إدارة المرور أن تُوقِف إصدار الرخص للوافدين كما عليها ألا تجدد رخص الوافدين الصادرة أو تسحبها منهم ومن ثم ترفع السن القانونية للحصول على الرخصة، كما يتم التشدد في تجديدها لكبار السن وبذلك نكون قد خفضنا عدد المسموح لهم بقيادة السيارات، وتعليقي أنه تفكير لا إنساني لأنه يفكر في التصدي للمشكلة في مساحة تشكل انتهاكا لأبسط حقوق الإنسان وهي شراء وقيادة وسيلة نقل.
آخر يرى أنه للحد من النمو السكاني يجب أن نمنع السعودي من الزواج من أجنبية وإذا كان الزواج نحرمها من الحصول على الجنسية السعودية ونسلب كثيرا من حقوق أبنائها السعوديين كالعمل في كثير من الوزارات، وكذلك نحرم أبناءها من الحصول على الإقامة أو الجنسية أو أي مميزات، وهو يرى في ذلك حلاً أيضاً لمشكلة المطلقات والعانسات في البلاد، حيث سيضطر السعوديون للزواج منهن. وتعليقي أيضاً أن الحلول الابتكارية المقترحة تدور في مساحة انتهاك حقوق الإنسان من الزواج ممن يريد ومن أي مكان كان، وحقوق السعودية في منح جنسيتها لأبنائها كما هو معمول به عالمياً، وحق الزوج أن يلحق زوجته بجنسيته لتتجانس العائلة، وحق أبناء الأجنبية بالمواطنة الكاملة.
ثالث يرى أن على الدولة طرد كل الوافدين العاملين في الأعمال المهنية ومنع إصدار تأشيرات جديدة حتى يتمكن السعوديون من العمل فيها دون منافسة من الوافدين الذين يعملون لساعات طويلة بمبالغ قليلة، وكذلك ليتقبل المجتمع التعامل مع العمالة المهنية السعودية بدل العمالة الوافدة في جميع المجالات بما في ذلك الزراعية وقيادة سيارات التاكسي وصيانة المنازل.
طبعاً مشاكل الوافدين الذين أقاموا سنوات طويلة في بلادنا وتكاثروا وأصبح أبناؤهم جزءا من النسيج الاجتماعي السعودي ولم يعودوا على صلة قوية بمجتمعاتهم فهذه قضايا ومشاكل لا تعنينا بل نعتبرها من الأحاديث النخبوية في حين أنها حق أصيل من حقوق أي إنسان أقرته مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلا أننا لا ننظر لها لأنها تتطلب تفكيراً لا قبل لنا به.
لا أخفيكم، هذا الأسلوب من التفكير الجمعي في التعاطي مع المشاكل والقضايا لا يقتصر على المسؤولين ومستشاريهم، بل ينسحب على معظم أفراد المجتمع الأمر الذي يؤكد ضعف أو غياب ثقافة حقوق الإنسان التي لا تبيح التصدي لأيٍ كان بانتهاك حقوق الإنسان باتخاذ التصدي لأي قضية تطويرية أو مشكلة مبرراً لذلك، فالحقوق محفوظة وعلينا التفكير بحلول لا تتعرض لها لا من قريب ولا من بعيد.
كلنا نشعر بالفخر والاعتزاز بأنفسنا وأقاربنا وأجدادنا ودولتنا إذا ذكرت لنا قصص الشيم والشهامة والكرم والعطاء ونشعر بالعكس تماماً إذا ذكر لنا عكس ذلك، نعم نفخر بمن جاع ليطعم ضيفه، وبمن تحمل المصاعب إيثاراً لجار أو صديق أو تعرض للمخاطر حماية لضعيف، ولكننا ومن المحزن لا نمانع بتاتاً من التعرض لحقوق الآخرين إذا كان ذلك لمصلحتنا ولا نتحرك لرفع الظلم عن أحد إذا كان هذا الظلم لا يمسنا فنحن لا ندافع عن القيم الأخلاقية بقدر ما ندافع عن مصالحنا ولاشك أن ذلك ليس من الإنسانية والأخلاق الإسلامية في شيء.
أذكر أن أحد المسؤولين الأمريكيين في إحدى المحطات الإذاعية قال إن بعض الولايات تعاني مشاكل سكانية، فقال له المذيع ولم لا تمنعون الهجرة؟ فرد عليه بكل هدوء الهجرة حق من حقوق الإنسان وحق من حقوق أمريكا أيضا بأن تستفيد من الخبرات والتنوع، والحل لا يكون بانتهاك الحقوق بل بالتحليل والتفكير الاستراتيجي بمساحات ذكية بعيدة عن انتهاك حقوق الإنسان أياً كانت وأيا كان هذا الإنسان، وسنصل لهذه الحلول وسنحول الكثرة السكانية من مشكلة إلى حل. عندها قلت ليت هذا تفكير مسؤولينا فهو تفكير يدعو للفخر والاعتزاز ويتطابق ومفاهيم الإيمان بالله الرازق الوهاب.
قبل نحو ثلاثة أسابيع نشرت صحيفة «الرياض» خبر بدء المديرية العامة للجوازات في جميع مناطق المملكة بالعمل على تنفيذ ما يخصها فيما صدر بموجب قرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم زواج السعوديات بغير سعودي، الذي نص على منح أولاد المواطنة السعودية المقيمين في المملكة الإقامة على كفالة والدتهم، كما لها الحق في استقدامهم إذا كانوا خارج المملكة للإقامة معها والعمل بالقطاع الخاص، وأن الدولة ستتحمل رسوم الإقامة الخاصة بهم، كما أن النظام كفل لزوج المواطنة العمل في القطاع الخاص وهو على كفالة زوجته.
مهما كانت المشاكل المتوقعة من وجهة نظر البعض إلا أنه قرار إنساني يشعرني بالفرح والسرور ذلك أن العمل بالقيم الأخلاقية والإنسانية هو السبيل الأمثل للتطور الحضاري ومن منا لا يريد لبلاده المنافسة في سباق الأمم الحضاري؟!
أيضا فرحنا بمناسبة تسلّم أول برماوي بطاقة الإقامة من أمير منطقة مكة خالد الفيصل بعد أن قررت الدولة ـــ رعاها الله ــــ معالجة أوضاع أكثر من 400 ألف برماوي مسلم قدموا للبلاد في الستينيات وتكاثروا في مكة في المناطق العشوائية، وذلك في إطار حلول جذرية لمشكلة الإنسان والمكان في مكة المكرمة، ونتطلع إلى أن يندمجوا مستقبلاً كمواطنين كأمثالهم ممن قدموا للبلاد من شرق آسيا، وتفخر المملكة بدمجهم كمواطنين كاملي المواطنة، ولا شك أن الحلول الإنسانية تنموية وفاعلة ومرضية لله الرازق ثم لأصحاب الأخلاق من البشر.
ختاماً: أتطلع إلى أن تعمل هيئة حقوق الإنسان بالتنسيق مع جميع الأجهزة الحكومية المعنية بصناعة القرار واتخاذه وتطبيقه، على منع أي قرارات تطويرية أو علاجية على حساب حقوق الإنسان أيا كان والمقرة شرعاً والمتفق عليها نظاماً، كما أتطلع أيضاً إلى أن ننأى بأنفسنا جميعاً عن التفكير في مثل هذه الحلول والتحول للتفكير الاستراتيجي الابتكاري في مساحات تطور وتعالج وتعزز حقوق الإنسان والأخلاق الحضارية في بلادنا بلاد الحرمين ومهبط الوحي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي