رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وزارة للبيئة .. لماذا تأخرت؟

كلما مر بذهني مشهد بيئي بائس أو أزمة بيئية في بلادنا تساءلت لماذا تأخرنا كل هذا الوقت في إنشاء وزارة قوية للبيئة؟ تجمع شتات أجهزة البيئة المتناثرة، وتعيد فرض نفسها كجهاز قادر على سن التشريعات وحماية مواردنا البيئية أسوة بدول العالم من أجل استدامة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة، خاصة ونحن في واحدة من أكثر الدول التي تحيط بها الأخطار البيئية من كل الاتجاهات.
لدينا مصلحة الأرصاد وحماية البيئة التي تأسست عام 1370، ولدينا هيئة الحماية الفطرية وإنمائها التي تأسست عام 1406، ولدينا أجهزة وأقسام بيئية أخرى مشتتة في وزارات: البترول، البلديات، والزراعة، والهيئات الملكية، وبعض الشركات الأخرى التي تعنى بالبيئة، لكنها تقدم أداءً في مجمله ''ضعيفا'' ودون المستوى لأسباب لا أعلم كل تفاصيلها، لكن أعرف أن من ضمنهما غياب العمل المؤسسي، وندرة الكفاءات المتخصصة، وضعف التشريعات، وغياب الوعي البيئي، وتضارب الصلاحيات، وسيطرة الاجتهادات الفردية، وقلة الدعم المادي؛ لذلك تظل الحاجة ماسة جدا إلى إعادة هيكلة هذه الأجهزة وتأسيس وزارة ''للأرصاد وحماية البيئة'' تسد الثغرة القائمة في العمل البيئي.
حيث تواجه المملكة تحديات كبيرة في المجال البيئي بدءا من تقلص الثروات الحيوانية والفطرية، مرورا بانخفاض الرقعة الزراعية، ومشاكل الاحتطاب الجائر، والصيد غير المنضبط للحيوانات الفطرية، والنقص المطرد في الأسماك والكائنات البحرية، وأيضا تلوث البيئة البحرية وارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن التقلبات الجوية، والجفاف ومشاكل الأرصاد المتكررة عاما بعد عام دون متابعة دقيقة.
وما خلفته أيضا مشاكل الصرف الصحي، ومرادم ''النفايات'' التي تأكد لمعظم المهتمين بالنشاط البيئي أن كثيرا منها كان مبنيا على اجتهادات فردية وليس دراسات بيئية متخصصة، فأصبحنا نجني نتائجها السلبية الآن بشيء من الندم والذهول وما نتج من ذلك من إعادة معالجتها بتكلفة عالية من خزانة الدولة.
إن المطالبة بتأسيس الوزارة أمر ليس بالجديد، لكن الحاجة ملحة الآن في ظل التحديات والمتغيرات البيئية المتسارعة، وكما بادرت الدولة بإنشاء وزارة المياه في وقت سابق لمواجهة أزمة المياه المتصاعدة؛ فإنني أرى أن المبادرة بإنشاء وزارة للبيئة لا يقل أهمية عن مبادرة إنشاء وزارة للمياه تبدأ أعمالها من حيث ما انتهى الآخرون.
لقد تصفحت عددا من مواقع وزارات البيئة في الدول العربية والخليجية ووجدت كثيرا من المبادرات الرائعة، والاهتمام المتزايد بتنمية الوعي البيئي بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، وتمنيت حقيقة لو كان لدينا مثل هذه المبادرات البناءة التي تنمي الشعور بانتماء الإنسان إلى بيئته والسعي للمحافظة عليها كإرث لا ينضب.
أما في مجال الاستثمار في مجال اقتصاديات البيئة، فالخبراء يدركون أنه سوق واعدة بالفرص الاقتصادية التي ممكن أن تساعد على تحقيق الأمن البيئي المستدام، وطرح الحلول المبتكرة للمشاكل البيئية بتكلفة منخفضة وجلب الاستثمارات، وضخ آلاف المليارات في شرايين الحركة الاقتصادية وزيادة فرص العمل، وهذا يحتاج إلى التعامل مع جهة متخصصة وقادرة على سن التشريعات، ومراقبة الأداء، فالمتعارف عليه أن المؤسسات الحكومية لا تستطيع أن تقوم بذلك وحدها دون مشاركة فاعلة لمؤسسات القطاع الخاص المتخصصة في العناية بالبيئة.
ولو نظرنا إلى السوق السعودية لوجدنا أن الأداء الضعيف لأجهزة البيئة المتناثرة انعكس سلبا على الأداء الاقتصادي لمؤسسات القطاع الخاص التي تعمل في مجال البيئة، فأعدادها قليلة جدا، وخدماتها الاستشارية في معظم الأحيان غير ذات جدوى نتيجة تدني الوعي بأهميتها، إضافة إلى تذبذب أرباحها وإغلاق بعضها في وقت وجيز من إنشائها، وهذا لا يتناسب مع نمو هذه السوق الواعدة والضخمة جدا في معظم الدول في ظل حرصنا على تعزيز النمو الاقتصادي واقتناص الفرص المستقبلية للبناء والتنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي