أسعار الأراضي: الزاوية الاقتصادية
الاستثمار المباشر في المملكة نوعان، الأول هو تملك الشركات والمؤسسات والأفراد لأعمال تجارية وصناعية، والثاني هو العقار (الاستثمار في الأوراق المالية غير مباشر). الاستثمار في العقار هو الأكبر من حيث الحجم، وهو الأصعب من حيث القراءة المالية. فرص الاستثمار المتاحة لأغلبية الناس في العقار والأوراق المالية (أغلبيتها في الأسهم والودائع، القليل في السندات)، ولذلك فإن التحليل المقارن يجب أن يكون بين الأراضي والأوراق المالية وخاصة الأسهم. لو سألت أي مستثمر أو وسيط في العقار عن الأسعار لكان الرد بسؤال عن المدينة وأي حي وأي شارع وهل هي تجارية أم سكنية، وما هو مسموح به من أدوار ودور الشريان الجديد وعناصر أخرى تنتهي بمدى تلاقي حاجة البائع (الفرصة البديلة) ورغبة وحاجة المشتري. لا بد من الإشارة إلى أن هناك إشكالية في الحصول على معلومات عن حجم التداول في الأراضي، فمن دونه يصعب تقدير مدى تجانس السوق العقاري (العلاقة بين أسعار الأراضي في مكة أو شمال الرياض وأسعارها في تبوك أو الأحساء على سبيل المثال)، وثانيا مدى قدرتنا على تحديد وتقدير حركة السيولة في هذا الوسط، التي تحدد مطلقا بحجم التداول على قيمة الأصول، أو نسبيا بمدى تغيرها في فترة معينة، ومقارنة ذلك بالأصول المنافسة مثل الأسهم. كما أن السيولة (التي تُحدد بمدى القدرة على تحويل الأصل إلى نقد أقل في الأراضي منها في الأسهم).
بدأت موجة ارتفاع الأراضي منذ نحو عشر سنوات حين ارتفعت أسعار النفط وزادت المصروفات الحكومية، ثم صار ما صار في سوق الأسهم في عام 2006 ليعود هذا الأصل إلى أرض الواقع من خلال ديناميكية خاصة به، ولكن الأراضي استمرت في الارتفاع، أو على الأقل في المحافظة على المستويات العالية. أحد المداخل للفهم يأتي من خلال المقارنة بين الأسهم والأراضي. الدائرة الأوسع للنظام المالي في المملكة هي حجم الموارد المالية والمصروفات الحكومية، فهذه لا بد أن ترفع أسعار الأصول، خاصة في ظل قلة فرص الاستثمار الحقيقية وأن الاستثمارات الضخمة تقوم بها الحكومة وليس القطاع الخاص، مما يجعل الأموال الخاصة تتجه إلى الاستثمار في هذه الأصول (العقار والأسهم)، ولذلك فإن حالة السوق في الآخر مرتبطة بمستوى أسعار النفط وحجم وتوقيت المصروفات الحكومية. تدخل المنافسة بين الأراضي والأسهم على الأموال المستثمرة في المستوى الثاني من التفاصيل. إذا هناك قدر مشترك واختلاف في التفاصيل بينهما. لعل أهم اختلاف هو أن جزءا مؤثرا من الطلب على الأراضي في بلاد ذات نمو سكاني وحضري طلب حقيقي في ظل تناقص نسبي في المعروض عمليا (بسبب محدودية توافر الخدمات والقرب من أماكن العمل)، يقابل ذلك قابلية الأسهم لزيادة المعروض، وبالتالي الضغط على التقييم في ظل كتلة نقدية واحدة للتعامل مع الأصول كلها، كما أن التجانس في الأسهم وسهولة المقارنة وحجم المبالغ والسيولة، تجعل من الأسهم مجالا جذابا، هناك تداخل بين الحاجة المباشرة للأراضي ودورها كوسط استثماري. كذلك كانت تجربة انتكاسة 2006 مؤلمة للكثير ولم تساعد كفاءة هيئة سوق المال في الثقة بالأسواق بعد ''المعجل'' و''المتكاملة''.
لا أستطيع القول جزما عن اتجاه أسعار الأصول عامة، وخاصة الأراضي. الإشكالية الاقتصادية الأكبر أن للدورة النفطية دورا مؤثرا في الارتفاع العام للأصول، ولكن هناك أيضاً عوامل هيكلية لا يمكن إغفالها مثل غياب أي رسم على الأراضي، وعدم مركزية التخطيط الحضري والعمراني. هناك بعض الحقائق المهمة الأولى أن الاثنين كليهما مرتبطان في الجوهر بمدى تماسك أسعار النفط وخاصة على مدى فترة تقاس بسنوات، مما يزيده صعوبة أن هذه الدورة أطول من السابقة، ثانيا بمدى الثقة في الأنظمة التشريعية وخاصة في التنفيذ، وثالثا السياسات الاقتصادية والمالية الحكومية، رابعا أسعار الفائدة العالمية. لكل منا رأي وتقدير في حجم هذه العوامل، ولن يتعدى مستوى الأسعار خلاصة مزيج هذه العوامل.