رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مَن أضاع كليات العلوم الإدارية في الجامعات السعودية؟

لا يخفى على أحد الأهمية القصوى التي تحتلها كليات الأعمال - التي يطلق عليها تجاوزا كليات العلوم الإدارية - فهذا النوع من العلوم له مميزاته وخصائصه وفوائده المتعددة، فتخصُّص الأعمال من التخصصات المرنة التي يمكن أن تقبل الطالب والأستاذ مهما كانت خلفيتهما المعرفية والعلمية، كما أنها لا تحتاج إلى بنية تحتية ضخمة ككليات العلوم والطب والزراعة وغيرها، فقط تحتاج إلى خطط أكاديمية حديثة ومتجددة قابلة للتغيير كل خمس سنوات، كما تحتاج إلى أساتذة أكفاء تشربوا العلم ونهلوا منه وعرفوا دهاليزه وجربوا أساليبه. كما تمتاز كليات الأعمال بعلاقتها المباشرة بسوق العمل، فجميع مرافق الدولة تحتاج إلى موارد بشرية ومتخصصين في التمويل والمحاسبة ومسوقين ورجال علاقات عامة، فهي متدخلة في جميع قطاعات الدولة وتقدم مهارات مطلوبة لجميع التخصصات، فالحاجة إليها ماسة ولا يمكن أن تقضي عليها البطالة كما فعلت ببعض العلوم الاجتماعية كالتاريخ والجغرافيا أو العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء.
كما أن هناك عوامل عدة أخرى أظهرت تخصص الأعمال على السطح وأصبح ينافس بقوة في المجال العملي والمعرفي، فهناك إدارة الجودة الشاملة والحوكمة والاستراتيجية وما يتبعها من إعداد الرسالة والرؤية، كل هذه المصطلحات أصبحت ضرورة للقطاعات الحكومية والخاصة، ما جعل الكثير من الجهات تعود إلى فكر وتطبيقات الأعمال لمعرفة أصول تلك المصطلحات وكيفية الإفادة منها. وما زاد من أهمية هذا العلم مرونة القبول فيه، خصوصا في مرحلة الماجستير (ماجستير إدارة الأعمال) فهذا المؤهل ليس حكرا على خريجي كليات الأعمال، بل هو مشاع لكل من أثبت قدرته واستوعب فكر الأعمال وآليات عمله ويمكن أن يكون متاحا للجميع بغض النظر عن الخلفية العلمية أو القاعدة المعرفية للمتقدم. فالطالب يحتاج فقط إلى مواد مكثفة عدة في مجال تخصصات الأعمال ودراسة تطور الفكر الإداري ومصطلحات إنجليزية تخصصية وبعدها يصبح مؤهلا وقادرا على اجتياز البرنامج.
وأريد أن أتوقف قليلا عند برامج ماجستير إدارة الأعمال، فأقول: إن بعض مؤسساتنا الأكاديمية في بعض الجامعات الحكومية والخاصة قد استثمرت مرونة القبول في إدارة الأعمال فأصبحت تبيع شهادات بطريقة نظامية للراغبين عن تحقيق الذات. فكثير من مؤسساتنا الأكاديمية – في السنوات الأخيرة – ارتجلت برامج ماجستير إدارة الأعمال ومنحت من يستحق ومن لا يستحق، أتوا من علوم مختلفة دون أن يمكّنوا من القاعدة المعرفية الكافية ويتقنوا بالفعل فكر وآليات عمل الأعمال، فأصبحت تسوق شهادات الأعمال لكل من يرغب في الحصول على مؤهل، وتمنح الطلاب شهادات ماجستير دون أن تتأكد من مقدرتهم على فهم فكر الأعمال بشكل سليم، وأصبحت تنظر إلى الأمر على أنه لا يتعدى معلومات نظرية يمكن حفظها وسردها، ما أثّر كثيرا في التخصص وفي الطلاب فدخل مجال الأعمال من ليسوا من جلدته، ولا أريد أن أسهب كثيرا فلي عودة لموضوع ماجستير إدارة الأعمال إذا سمحت الظروف.
نعود للموضوع فنقول، إنه رغم كل هذه الأهمية لتخصصات الأعمال إلا أن جامعاتنا ممثلة في كليات الأعمال، لم ترق إلى أن تقدم هذه العلم كما ينبغي حتى أصبحت تخصصات الأعمال تخصص من لا تخصص له. وبصفتي من أبناء كليات الأعمال وقد قضيت شبابي في هذا التخصص فإنني أرى أن هناك جنوحا في تقديم هذا العلم، فهناك مشاكل في هيكلة الكليات، وهناك تخصصات متضاربة وازدواجية عجيبة أدّيا إلى نشوء كليات هشة فاقدة للهوية، وزاد الطين بلة دخول كثير من المتسللين إلى ميدان الأعمال يطلقون على أنفسهم أساتذة الأعمال وهم لا يفرقون بين الأصل والفرع وبين والنظرية والآلية. وحضرت تحكيم بعض الخطط لبعض كليات الأعمال في الجامعات السعودية فوجدت البعض لا يفرق بين بحوث العمليات وإدارة العمليات ويرى أنهما مادتان متشبهتان، ويرون أن الفرق الوحيد بينهما لا يتعدى الاسم ليس إلا.
وحتى أعطى الموضوع حقه سوف أذيل مقالي لهذا الأسبوع بأهم معوق أراه من وجهة نظري يقف حجر عثرة وراء تدني مخرجات كليات الأعمال وضياع هويتها بدلا من أن تتسنم قيادة كليات الجامعات أصبحت في ذيل القائمة، بل إن البعض ينادي بالاستغناء عنها وتوزيع وظائفها وتخصصاتها على الكليات المشابهة.
أول معوق يقف أمام تطور كليات الأعمال في بلادنا هو المسمى ذاته، فقد كانت بعض جامعاتنا تطلق على كليات الأعمال كليات التجارة، وظلت عقودا على هذا الوضع فدخلها من له علاقة بالعلم ومن ليس له علاقة حتى أصبح المتخصصون غرباء في بيئاتهم الأكاديمية، ثم تغيير الاسم مرة أخرى من كلية التجارة إلى كلية العلوم الإدارية، وهناك هدف مبطن وراء هذا التغيير، وهو أن يظل الغرباء يشرفون ويديرون كليات الأعمال، وما زالت بعض جامعاتنا تحت هذا المسمى البالي حتى يومنا. ثم تغيير الاسم للمرة الثالثة إلى كليات الأعمال بعد عراك مع الذات وصراع مع بعض القيادات وإفساد لكثر من الأجيال والبرامج والخطط. وقضية المسمى أرى أنها المعوق الأول وراء تدهور كليات الأعمال، ليس فقط في جامعاتنا السعودية، بل في كليات الأعمال في الوطن العربي والعالم النامي بشكل عام. إن عدم وضوح المسمى أدى إلى ضبابية في الرؤية وضياع في المنهجية وتأخر من الاستفادة من أساليب هذا العلم الثري، ففي الوقت الذي يفترض أن تعد فيه كليات الأعمال الرؤية والرسالة والأهداف للمنشآت والمنظمات نرى أن رؤيتها غير واضحة ورسالتها ليست أبدية وأهدافها غير منطقية، فكيف يتمكن الأساتذة في كليات الأعمال في جامعاتنا من إعداد هذه المتطلبات للغير وهم غير قادرين على إعدادها لكلياتهم، فهناك خلل كبير في رسالة ورؤية كثير من كليات الأعمال في جامعاتنا.
هذا - في رأيي - هو السبب الجوهري، وهناك أسباب أخرى نراها جميعا نحن المنتمين إلى هذا التخصص تصول وتجول وتبتعد وتقترب تحتاج إلى تفصيل وإيضاح قد نناقشها في مناسبات قادمة إذا تيسر الأمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي