مصطلحات اقتصادية غير دقيقة
تتسبب أحياناً الترجمة غير الدقيقة لبعض المفاهيم الاقتصادية إلى مفهوم خاطئ أو ناقص لدى المتلقي، فيتبلور في ذهن المتلقي رؤية معينة أو تصور عام للفكرة مخالف لحقيقة الشيء أو المفهوم المقصود. ومن المعروف في مجال التسويق الدولي أن هناك عددا من الحالات التي تمت فيها ترجمة اسم منتج أو خدمة من لغة إلى أخرى وأدت إلى فشل ذريع بسبب عدم ملاءمة الاسم في اللغة المحلية، أو أن الاسم تم فهمه على أنه شيء آخر، وهكذا. فيما يلي استعراض لبعض المفاهيم الاقتصادية الشائعة التي أدت الترجمة أو عدم اختيار الكلمة المناسبة إلى أخطاء في تصور مفهومها لدى المتلقي، مع محاولة تصحيحها.
أول كلمة درجت على الألسن العربية ومن الصعب تصحيحها الآن؛ نظراً لشيوع الكلمة، هي كلمة ''العملة الصعبة'' التي يقصد بها الدولار واليورو وغيرهما من العملات الدولية. لكن ما سبب إطلاق كلمة ''صعبة'' عليها، حيث لا أثر للصعوبة في مفهومها؟ طبعاً الكلمة هي ترجمة حرفية لكلمة hard باللغة الإنجليزية، فتمت الترجمة إلى ''صعب''، وهي عكس بسيط easy، بينما في اللغة الإنجليزية المقصود أن العملة صلبة أو قاسية بعكس عملات بعض الدول النامية المعرضة للتقلبات الحادة، التي تعتبر غير آمنة في حد ذاتها.
أما عبارة ''البيع على المكشوف'' فهي بعيدة عن المقصود باللغة الإنجليزية، وهي عبارة short selling التي تمت كذلك ترجمتها في أدبيات أخرى إلى البيع القصير! وجاءت كلمة المكشوف للتعبير على أن عملية البيع تمت من دون وجود الأصل المباع، إلا أن هذه الترجمة غير دقيقة. فالمقصود بالعبارة الإنجليزية أن عملية البيع ''عكسية''، أي أن البيع يتم أولاً ومن ثم الشراء لاحقاً، إما مباشرة أو بعد فترة زمنية غير محددة، وقد سميتها في ''كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية'' بـ''البيع المسبق''، لهذا السبب. غير أن كلمة ''المكشوف'' تؤدي إلى لبس؛ كون هناك في الواقع بيع مسبق مغطى وهناك بيع مسبق مكشوف، وهو الذي تم منعه في بعض الدول بما في ذلك الولايات المتحدة؛ لكونه بيعاً مسبقاً لأسهم ـــ أو أصول مالية أخرى ـــ دون أن يكون لدى البائع أو الوسيط إمكانية مضمونة للحصول على الأصول المباعة. هذا يختلف عن البيع المسبق العادي الذي يتم في وجود الأصول لدى الوسيط مباشرة أو من خلال اتفاقية ضمان لتوفير الأصول من خلال وسيط آخر. أي أن المعتاد أن يكون لدى الوسيط أصول لعملاء آخرين يبيعها الوسيط لمصلحة عميل آخر، فيقترض من عميل ويمنحها لآخر يبيعها فوراً. أما البيع ''المكشوف'' فهو بيع من دون وجود الأصل لدى الوسيط إطلاقاً؛ لذا فإن عبارة ''البيع على المكشوف'' غير دقيقة لأنها تعني شيئين مختلفين.
كذلك، فإن عبارة ''الشراء على المكشوف'' غير دقيقة هي الأخرى، التي يقصد بها الشراء دون أن يكون هناك رصيد نقدي للمشتري، فيتم الشراء بالاقتراض من الوسيط، عادة بضمان أصول أخرى لدى المشتري، كما يحدث عندما يكون لدى الشخص أسهم بكمية معينة فيقوم بشراء أسهم أخرى بضمان ما يملكه من أسهم. هذا النوع من الشراء يسمى buying on margin أو الشراء بالاقتراض، غير أن عبارة ''الشراء على المكشوف'' لا تؤدي إلى الفهم الصحيح. أما أخطر المفاهيم المتداولة، التي قد لا تكون بسبب الترجمة مباشرة، فهي مصطلح دخل الفرد، الذي يقصد به per capita income، وهو عبارة عن قسمة الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد على عدد السكان بالكامل، غير أن هناك من يأخذ هذا المفهوم أبعد من ذلك ويعتبره بمثابة الإيرادات التي يحققها الشخص في العام في البلد المعني؛ لذا قد يكون المصطلح المناسب ''الناتج المحلي الإجمالي للفرد''. المشكلة في هذا المفهوم كذلك أن له طابعا خاصا في دولة مثل المملكة العربية السعودية، التي تشكل العمالة الوافدة ذات المرتبات القليلة نسبة كبيرة من السكان، فعندما نقوم بقسمة ناتج الاقتصاد السعودي على عدد السكان سنحصل على رقم متدن جداً بسبب العدد الكبير لسائقي المنازل والعاملات المنزليات والعمال بشكل عام. علاوة على هذا التشويش، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في حد ذاته لا يعني رفاهية الشخص ولا جودة مستوى المعيشة ولا جودة البيئة ولا غيرها، كونه مجرد رقم متوسط لحجم الاقتصاد مقسوماً على عد السكان.
وهناك أسماء أخرى من غير الواضح كيف جاءت وكيف استقرت في أذهان الناس، مثل كلمة البطالة، التي يقصد بها نسبة الأشخاص القادرين على العمل الذين يبحثون عن عمل ولا يجدونه من إجمالي عدد القوى العاملة في البلاد. ربما عبارة ''العاطلون عن العمل'' أو ''الباحثون عن عمل'' تؤدي إلى فهم أوضح للمسألة. وبينما يتحدث الناس عن البطالة كنسبة مئوية، وهو التصور الصحيح لهذا المفهوم، نجد أنهم يتصورون التضخم كنسبة مئوية دون إدراك المقصود من ذلك. فالتضخم ليس نسبة من شيء ثابت، كما في مسألة البطالة، بل إن النسبة المقصودة هي نسبة تغير أسعار سلع معينة من فترة إلى أخرى. فعندما نقول إن البطالة 10 في المائة، نقصد أن عدد الباحثين عن عمل يساوي 10 في المائة من عدد القوى العاملة، الذي يتميز بالثبات النسبي، بينما التضخم بنسبة 5 في المائة يعني ارتفاع الأسعار عن مستواها قبل عام.
لذا، فإن كلمة ''التضخم'' غير دقيقة، والأفضل أن نقول ''نسبة تصاعد الأسعار''؛ لأن هناك ألوانا مختلفة من حركة الأسعار لا يمكن اختصارها بكلمة ''تضخم''. على سبيل المثال، هناك ما يعرف بـdisinflation ويقصد به ''نسبة تباطؤ الأسعار'' أي أن الأسعار لا تزال تتصاعد من فترة إلى أخرى غير أن تصاعدها بسرعة أقل، فقد تكون 5 في المائة للعام الماضي و4 في المائة هذا العام، بمعنى أن الأسعار لا تزال في ارتفاع، لكنها بدأت بالتباطؤ. كذلك هناك مفهوم آخر لا يكفي استخدام كلمة تضخم معه، وهو عكس التضخم أو deflation وهي الفترات التي تكون فيها الأسعار في انخفاض عن فترات سابقة. على سبيل المثال لو كانت نسبة تصاعد الأسعار 5 في المائة العام الماضي وسالب 1 في المائة هذا العام، ممكن أن نقول إن ''نسبة تراجع الأسعار'' تساوي سالب 1 في المائة.
ختاما، هذه مجرد خواطر بخصوص بعض المصطلحات الاقتصادية المستخدمة يومياً، التي ربما نحتاج إلى تغيير أسمائها لتسهيل تصورها لدى المتلقي.