اختيار القيادات: جامعة الملك سعود أنموذجا
إن اختيار القيادات المناسبة لطبيعة العمل يُعد أحد مقومات النجاح للجامعة أو المؤسسة أو الوزارة، لذلك تسعى الجامعات في الدول المتقدمة لاختيار الأفضل لإدارة الجامعات والكليات والأقسام الأكاديمية، وبالمثل تعمل الحكومات ـــ بجدية ــــ على البحث عن القيادات الفاعلة واختيارها ــــ باهتمام ــــ من خلال لجان تتسم بالموضوعية والنزاهة، وذلك للحد من تأثير المحسوبيات والمصالح الشخصية! وقد نجحت نسبيّاً في تحقيق ذلك، مما انعكس على أداء الحكومات والجامعات في الدولة المتقدمة وأسهم في الحد من الفساد والاختلاسات، ومن ثم أدى إلى ارتفاع الإنتاجية وتحقيق أهداف المؤسسة. وعلى عكس ذلك يُلاحظ أن اختيار القيادات في الوزارات والمجالس والهيئات العليا وغيرها في الدول النامية يتركز في أيدي عدد قليل من المسؤولين الذين قد تنقصهم المعرفة الشاملة بالكفاءات في أرجاء الدولة، وربما يفتقرون إلى معرفة الآليات المناسبة للبحث والاختيار، مما يضطرهم للجوء لترشيح أشخاص من دائرة ضيقة لا تتجاوز معارفهم أو أبناء منطقتهم الذين يثقون بهم! وهذا بالضرورة سيجعل الخيارات تتركز في فئة معينة وأحياناً منطقة أو مناطق محددة!
لترشيد اختيار القيادات المناسبة لإدارة الكليات في جامعة الملك سعود، بادرت الجامعة بتشكيل لجنة استشارية تتكون من سبعة من ذوي الخبرة الطويلة في الجامعة، يمثلون التخصصات الرئيسة. وقبل أن تبدأ اللجنة في ممارسة عملها، قامت بدراسة الممارسات العالمية في الشرق والغرب لمعرفة الأسلوب الأمثل لاختيار عمداء كليات الجامعة. فأنشأت موقعاً على شبكة الإنترنت يُعلن فيه فتح باب الترشيح لعمادة كلية معينة، ويحتوي على نماذج الترشيح والتقييم المطلوبة، وخلال فترة الترشيح يمكن لأي عضو هيئة تدريس في الجامعة ترشيح من يراه (أو تراه) مناسباً لتولي عمادة الكلية. وبعد أن يُقفل باب الترشيح، تبدأ اللجنة عملها بالتأكد من سلامة إجراءات الترشيح، ثم تطلب من المرشحين إرسال سيرهم الذاتية وخطط عملهم لإدارة الكلية التي يعتزمون تطبيقها في حال التعيين. وبعد دراسة الترشيحات، تقوم اللجنة بتقييم المرشحين على مرحلتين. في المرحلة الأولى يقوم كل عضو من أعضاء اللجنة بتقويم كل مرشح من خلال السيرة الذاتية للمرشح والرؤية التي قدمها، وذلك وفق نموذج إلكتروني سري. وفي المرحلة الثانية تقوم اللجنة بمقابلة المرشحين في لقاء ودي يتم من خلاله تقويم كل مرشح وفق نموذج خاص وبأسلوب إلكتروني سري من قبل كل عضو من أعضاء اللجنة باستقلالية عن الأعضاء الآخرين. وينتج في نهاية هذه العملية قائمة بالمرشحين مرتبين حسب الدرجات التي حصلوا عليها من خلال التقويم في المرحلتين الأولى والثانية. إضافة إلى ذلك، تلجأ اللجنة في بعض الأحيان إلى الاستنارة بآراء بعض أعضاء هيئة التدريس الذين تتوسم فيهم الموضوعية والنزاهة.
لا شك أن هذه اللجنة تسهم في ترشيد قرار اختيار عمداء الكليات وتوفر وقتاً طويلاً في البحث عن الكفاءات المناسبة، وأهم من ذلك تسهم في توسيع دائرة الاختيار وتمكن مدير الجامعة من اكتشاف الكفاءات التي يصعب الوصول إليها لو اعتمد على نفسه فقط أو استخدم إجراءات غير مؤسسية.
أتمنى أن يُستفاد من هذه التجربة في الجامعات الأخرى وكذلك في اختيار القيادات في المؤسسات العامة واللجان الوطنية العليا والمجالس المهمة والوزارات لترشيد اختيار القيادات وإعطاء الفرصة للكفاءات المميزة من جميع أرجاء الوطن دون تحيز ــــ غير مقصود ــــ لفئة معينة أو منطقة دون غيرها.