نحتاج إلى إمبراطور طاقة

لا يمكن الحديث عن اقتصاد المملكة دون الحديث عن قطاع الطاقة. مسار التطور الاقتصادي عالميا بدأ من الرعي والزراعة إلى أن وصل إلى مركزية الطاقة وسيلة وصناعة. في المملكة نشارك العالم في تسخير الطاقة كوسيلة ونختلف معه في كون الطاقة المصدر الأساس لتمويل كل نشاطات وفعاليات الميزانية، حجر الزاوية في المنظومة الاقتصادية هو قطاع الطاقة بجميع مكوناته الحالية "النفط والغاز"، والمستقبلية "الذرية والبديلة". ولذلك فإن إدارة هذا المرفق يجب أن تكون نقطة انطلاق إدارة الحاضر والمستقبل. طبيعة دور الطاقة في الحياة وخاصة الاقتصادية، تجبرنا على التفكير بشمولية. سلسلة القيمة المضافة تبدأ من الاستكشاف والحفر والإنتاج والتوزيع، إلى توفير المنافع الحياتية المباشرة مثل الماء والكهرباء والوقود والغاز، إلى تمويل ميزانية الحكومة مباشرة. تنامي الاستهلاك مع نقاط الضعف الهيكلية، جرنا إلى التفكير في البدائل في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وبالتالي دخلنا مستوى آخر من استحقاقات المفاضلة والتقنين. موضوعيا، قرار الطاقة أصبح مجزأ؛ ففي "أرامكو" جزء معتبر ولكنه غير حاسم، ولدى وزارة البترول جزء مهم ولكنه ليس حاسما أيضا، في ظل دورها المحدود في تسعير المنافع وتقنين الدعم، ولدى المالية من خلال الميزانية وإدارة رصيد الحكومة تأثير واضح في سياسة المملكة النفطية، وأخيرا البحث عن البديل الذي في أبسط صورة عبارة عن مفاضلة بين ما هو موجود وبالتالي الحاجة إلى تسعير يخدم التوازن الضروري بين الاستهلاك والاستثمار من ناحية، وبين السيطرة على الموجود على أمل الكفاءة في تحقيق البديل من ناحية أخرى. قرارات الطاقة اليوم موزعة على عدة جهات وبالتالي وجدت نفسها في وضعية غير قادرة على التعاون بل أحيانا في منافسة غير صحية ("الاقتصادية" سياسة الطاقة: حوار الطرشان عدد 6735 تاريخ 20/3/2012). هذه الحالة ترفع التكلفة على المجتمع (الحكومة في البداية والناس حثيثا ثم الحكومة لاحقا فندخل جميعا في دوامة مهلكة، فمثلا هناك التنافس بين "أرامكو" و"سابك"، (وبالتالي تصبح نقطة انطلاق إصلاح الاقتصاد الوطني عرجاء. فلا يمكن تسعير مرحلة دوليا ثم تسعير مرحلة تالية بالتوافق دون مرجعية اقتصادية قابلة للاستدامة، ثم تسعير مرحلة أخرى بما يقبل اقتصاد السوق - الذي في جزء مهم منه مدعوم، ومن ثم المطالبة بزيادة أو تخفيض الأسعار أو زيادة العرض، بينما السلطة الرقابية لها سلطة اسمية فقط على مقدم الخدمة المسترخصة أصلا دون أي سلطة على تسعير اللقيم. باختصار ندخل نفق الفوضى الاقتصادية، فنبدأ مرحلة النقد واللوم دون عمل مفيد سرعان ما يتبعه تضخيم الأجهزة البيروقراطية، وفتح الفرصة أمام مكاتب الاستشارات الأجنبية لدراسات دون فائدة تذكر.
ما الحل؟
لا يمكن أن تكون هناك سياسة اقتصادية وحتى مالية دون إدارة متكاملة لقطاع الطاقة، وهذا لن يتم في ظل هذه الانقسامات الأفقية والرأسية دون مرجعية إدارية موحدة قادرة على الربط والتسعير والوعي بنبض توجهات الاقتصاد، وتقنين الدعم من خلال عين على الاستهلاك وعين على الاستدامة والاستثمار. لا قيمة لاستراتيجية دون مرجعية إدارية موحدة. جربنا توزيع عضوية مجالس الإدارات واللجان العليا والفرعية والمجالس الاقتصادية، واتضح أنها محاولات ضعيفة وخجولة. الحل في إيجاد منصب إمبراطور طاقة ذي سلطة نافذة على جميع هذه الأطراف غير المترابطة وتحويلها إلى نسق واحد يدير به عملية توظيف وتسعير الطاقة وربطها الوثيق مع حركة الاقتصاد، من خلال التأثير المباشر في قرارات وزارة المالية والمستهلكين والمنتجين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي