حين يوصف الحمقى بالحكمة
الحكيم اسم من أسماء الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ ومن اختصاصه ـــ جل وعلا ـــ بهذه الخاصية إلا أنه أعطى بعض عباده شيئاً منها مثلها مثل الخصائص الأخرى كالرحمة، والعزة والقدرة، والقوة حيث أودع في مخلوقاته وبالذات البشر شيئاً من هذه الخصائص. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه)، وقد قرن الله الحكمة بشكره على نعمه لكن من يفتقد الحكمة لن يؤدي الشكر الواجب عليه تجاه خالقه. وقد قرنت الحكمة بالخير والتسديد عند من يمتلكها (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا). في بلاد الشام وبالأخص سورية ولبنان يستخدم مصطلح حكيم للإشارة إلى كل مَن يمارس مهنة الطب ويعالج الناس، وفي ظني أن ذلك لم يأت من فراغ بل هو مرتبط بخصائص يفترض أن يتحلى بها الطبيب كالفهم، والاستبصار بالحالة، والدقة، ومزاولة العمل فوق أصول المهنة المحددة الواضحة والمتعارف عليها من قبل ذوي الاختصاص، وطالما ورد الحديث عن الشام واستخدام أهلها المصطلح يلزم الإشارة إلى أن البعض قد يستخدمه في غير محله الصحيح إذ إنه ليس كل طبيب حكيما فكم من الأطباء تصرفوا بلا حكمة ولا رؤية، ووقعوا في أخطاء طبية شنيعة أودت بحياة الكثيرين، أو تسببت في عاهات، وأضرار جسيمة، كما أن تصرفات بعض الأطباء وتعاملهم مع مرضاهم يؤكد افتقادهم الحكمة، ذلك أن التعامل بفوقية وعنجهية قد يكون سلوكاً ملاحظاً رغم أن الموقف يفترض أن يكون التعامل فيه بالرفق واللين، والتعامل الإنساني الذي يخفف عن المريض آلامه، لكن مع الأسف قد يفتقد البعض هذه الخصائص لافتقادهم الحكمة التي يفترض أن يتحلوا بها. كم أتألم حين أرى طبيباً يتعامل بشكل غير لائق وغير إنساني مع مرضاه وكأنه يتعامل مع مواد صلبة لا مشاعر لديها، وكم أتألم حين أشاهد الأخبار وأسمع بعض المناصرين لبشار الأسد حين يصفونه بالحكيم، وكم تساءلت ما مقدار الحكمة التي توجد عند بشار، وقد فعل الأفاعيل في السوريين من قتل وتشريد، وإعاقات، وتدمير للممتلكات والمزارع والمصانع والبنى التحتية، هل من يفعل مثل هذا توجد لديه من الحكمة وكيف أصبح طبيباً للعيون وهو بهذه المشاعر العدائية والحاقدة على من يفترض أنهم أبناء وطنه؟!
في الحياة اليومية نمر بمواقف عديدة في الشارع، وفي مجال العمل، وفي الأسواق، وبعض هذه المواقف مستفز لنا، ويثير مشاعرنا وربما يستدعي الموقف التصرف بغضب وصوت مرتفع أو أن البعض قد يطلق شتائم وألفاظا غير لائقة، وأحياناً قد يُقدِم البعض على الاعتداء الجسدي، وهذه كلها تصرفات حمقاء تؤكد افتقاد أصحابها الحكمة. وسداد الرأي، وصحة القرار سواء على المستوى الأسري، أو في مجال العمل، أو على المستوى السياسي، والوطني تحتاج إلى حكمة، والحكمة من متطلباتها التبصر والتروي، وجمع المعلومات الضرورية للقرار، إضافة إلى الاستشارة، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، وما لم تؤخذ هذه في الاعتبار، فالقرار غير حكيم حتى وإن بدا لنا أنه حكيم في وقته أو حتى وإن صوّر الآخرون لنا ذلك، الحكمة تقتضي من صاحبها الأخذ في الاعتبار ظروف الحاضر وما يتوقع فيه المستقبل ذلك أن الحاضر قد يمهد لمستقبل مجهول.