رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعليم عن بعد.. عصر من المعرفة والتنوير

التعليم عن بعد Distance Learning هو أحد إفرازات التعليم المعرفي الحديث، وتؤكد مؤشرات تعليم المعرفة أن التعليم عن بعد سيحقق المزيد من الانتشار في كل أنحاء العالم، وستكون له المكانة الرئيسة في منظومة التعليم والتنوير في كل مكان من العالم.
وفي ظل الاهتمام العالمي بالتعليم عن بعد، فإن جامعاتنا السعودية لم تتخلف عن بناء وفتح بوابات التعليم عن بعد أمام الراغبين في المعرفة والتعليم.
ولكن كالعادة فهناك فرق كبير بين ما تقدمه الجامعات في الدول المتقدمة، وما تقدمه الجامعات السعودية لهذه الخدمة التي بلغ التنافس في تقديمها شأواً كبيراً.
إن التعليم عن بعد في جامعاتنا السعودية، بخاصة التعليم الإلكتروني، ما زال يحبو ويقدم إلى طالبي العلم بصورة بدائية وعشوائية.
إن التعليم عن بعد هو تعليم متكامل العناصر والفعاليات بدءاً من تصميم المنهاج الدراسي التفاعلي، ثم التعاقد مع الكفاءات القادرة على إدارة المعرفة، والعارفة لأحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة، وانتهاء بنظم الامتحانات والتقييم العلمي المستمر، بمعنى أن التعليم عن بعد يقوم على مهارات المعرفة الشاملة والمعرفة المتخصصة، كما يستثمر نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطويعها لإثراء جميع مراحل العمليات التعليمية، إضافة إلى تطبيق المعايير والمواصفات العالمية الضامنة لتوفير أعلى درجات الجودة.
ولقد ظهرت حديثاً الفصول التفاعلية التي تسمح للمعلم أو المحاضر أن يلقى محاضراته مباشرة على الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء العالم دون التقيد بالمكان، بل تطورت هذه الأدوات لتسمح بمشاركة الطلاب من كل أنحاء العالم في الحوارات والمداخلات.
إن التعليم عن بعد هو أسلوب جديد ومتطور يعتمد على استخدام إدارة المعرفة والمشاركة الواسعة للدارسين كجزء أساسي من أدوات التعليم العصري الحديث، ولذلك لا يجب أن نبسطه ونعتبره مجرد تغطية لطلب شريحة من الناس لم تساعدهم ظروفهم على الانخراط في التعليم النظامي، بل هو نظام كامل وشامل لنشر المعرفة والتعليم - على أعلى مستوى - في ربوع الكرة الأرضية.
لقد حاولت جامعاتنا أن تبني بوابات متخصصة في تقنيات التعليم الإلكتروني التفاعلي الذكي ولكنها لم تستخدم وسائل التقنية المتطورة، بل استخدمت وسائل بدائية لن تحقق الأهداف المتوخاة من التعليم عن بعد، أكثر من هذا فإن الأساس في التعليم عن بعد هو استخدام المهارات رفيعة المستوى، ولكن ما يحدث في بعض جامعاتنا أن كل الكوادر التي تدير التعليم عن بعد هي من الكوادر ضعيفة التأهيل ورخيصة الأجور.
ولذلك فإن التعليم عن بعد في جامعاتنا السعودية يتخبط بين خبرات متواضعة وتقنيات بدائية ومحدودة، ولذلك - في ظل هذه الإمكانات - لا نتوقع أن تكون محصلة التعليم عن بعد ومخرجاته محققة للآمال المعقودة عليها.
إن التعليم عن بعد في جامعاتنا السعودية يجب أن تتوافر له منظومات إلكترونية تفاعلية وأدوات تعليمية حديثة وبرمجيات متخصصة مرتبطة بمحافظ تعليمية مزودة بكفاءات عالية المستوى حتى ترتفع برامج هذا التعليم إلى مستوى الاقتناع لدى جمهور غفير من المترددين في قبول هذا النوع من التعليم، ولا سيما أن الفرص الوظيفية ما زالت ضيقة أمام خريجي هذا النوع من التعليم الذي ما زال موضع شك وريبة عند كثير من رجال المال والسياسة.
إن التعليم عن بعد لم يعد مجرد تعليم في الهواء الطلق على طريقة برامج (التوك شو)، بل هو مجموعة من العلوم الذكية التي تدار من خلال عالم المعرفة بهدف تحقيق الكثير من التوازنات في المجتمعات الإنسانية، فهو بمثابة حرب كونية شاملة على الأمية، إضافة إلى أنه يُسهم في رفع المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع، وهو أيضاً يعالج النقص في كوادر المدرسين والمدربين ويسد العجز في المباني التعليمية والجامعية، ويعمل على تغطية القصور في الإمكانات، كما يوفر التعليم عن بعد مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة بأسعار لا تضاهى ولا تزاحم.
والتعليم عن بعد بهذه المزايا يرسخ مبدأ مجانية التعليم ويحقق توازنات معرفية وثقافية بين كل المجتمعات الإنسانية، بحيث تنتشر الثقافة والمعرفة وتصل إلى كل راغبيها بصرف النظر عن العالم الذي يعيش فيه طالب المعرفة أو الدولة التي ينتمي إليها أو الجنسية التي يحملها.
إن هذا العالم المعرفي الجديد الذي يتحرك في السماوات المفتوحة وفي كل مكان من الكرة الأرضية يحتاج إلى منظومات تفاعلية متكاملة، ولا يمكن أن يؤدي عمله على الوجه الأكمل دون أن تكتمل منظوماته في جوانبها المتعددة من إداريين ومدرسين وفنيين من ذوي الاختصاص والمؤهلات العالية والخبرة الذكية.
وأخيراً، إذا كان التعليم عن بعد يحتل هذا المستوى من الأهمية في كل أنحاء العالم ونحن جزء من هذا العالم، فالمطلوب من جامعاتنا أن تعطي لهذا التعليم حقه من الاهتمام، وأن تنتقل به إلى مستوى المهنية العالية التي ننشدها جميعاً حتى نضمن تحقيق الفائدة المرجوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي