رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الانفلات الأمني في السعودية

البعض يجد استسهالا في استخدام الكلمات، ويتعامل معها بتعميم يعكس خللا في الفهم. تقرأ لذوات تؤمن في قرارة نفسك أنهم يملكون نضجا في الرؤية، لكنهم يفاجئونك باستخدام عبارات مثل: الانفلات الأمني في السعودية.
الحقيقة أن هذه العبارة تتردد أحيانا من أناس قد لا يدركون معنى الكلمة، من باب المحاكاة لما تردده تقارير إعلامية عن هذا البلد أو ذاك. وهؤلاء لا يمكن لومهم، لأنهم أحيانا يريدون إيصال فكرة باستخدام مصطلحات غير دقيقة. لكن العتب أن تصدر هذه العبارات من أناس يملكون أدوات ورؤى تجعلهم يميزون ولا يقعون في هذا الخلط.
عبارة الانفلات الأمني بشكلها المطلق، لا يمكن أن تنطبق على السعودية ولا على دول الخليج العربية، ويمكن هنا استثناء البحرين نتيجة تدخلات خارجية لا تخفى على أحد.
إن طبائع المجتمع الاتصالي المتعولم، ألقت بكثير من الصلف على ذواتنا، وصار معيار الاعتداد بالنفس، أن يلقي المرء الكلمات على عواهنها. فتغدو الصور الصادرة كلها قاتمة: فوضى، اختلال وانفلات أمني، غياب تام للعدل ـــ كذا ــــ تفشٍ كامل للفساد وانتشار للرشا... إلخ. وهذا الخطاب ليس بريئا، وفيه جور كبير، لكن الإلحاح على تكراره، يعطيه مصداقية بسبب تردد وتهيب بعض العقلاء من القول إن هذا خطأ، خشية الاتهام بالنفاق والتزلف.
إن المظاهر السلبية موجودة في مجتمعاتنا بشكل أو بآخر، وإنكارها غباء، لكن الإشكالية أن الارتهان للإيقاعات السلبية يجعل الصورة المطروحة في المرآة تتجاوز حجمها الحقيقي، وتتحول إلى عامل معوّق ومحبط للأداء. والحق أن فضائيات يفترض أن تتمتع بالرصانة، وكذلك صحف، أخذت في التأثر بهذه المرآة السلبية، وصار من اللافت أنها تمارس اجترار الأفكار والكلمات ذاتها، وتعيد إنتاجها.
ليس المطلوب هنا توقف الحديث عن السلبيات، فأنا مثل سواي أتناول هذه السلبيات سواء من خلال كلام عابر أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن من الضروري وسط كل هذا أن لا تتسيدنا تلك النظرة وحدها، فتسود العتمة ويغيب الضوء. ثمة جهود غير منكورة لجهات كثيرة، ومن بينها الأجهزة الأمنية. وثمة تقصير هنا وهناك. لكن من الحيف والجور أن يتم ابتسار كل هذا المجهود بتقديم الرؤى السلبية. إن جهود الأمن مثلا ـــ بعيدا عن إيقاع التسييس والتوظيف الذي يختزل الصورة في أحداث قد لا تنسجم مع رؤى البعض ــــ أقول إن هذه الجهود يشعر بها أي إنسان يمارس العدل مع ذاته ومع الآخرين. الانفلات الأمني صورته في بلدان مجاورة تجعل خروج إنسان إلى الشارع لشراء رغيف خبز في وقت من الليل مغامرة ومخاطرة غير آمنة. إن قيمة الإنسان في المجتمعات التي يتسيدها الانفلات الأمني لا يتجاوز سعر الرصاصة أو السكين التي يتم استخدامها في إزهاق الأرواح بدم بارد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي