توطين الوظائف ثمنه باهظ .. التدريب مثال
توطين الوظائف أو ما يسمى أحيانا بالسعودة لا مناص منه. لا يمكن القبول ببقاء واستمرار الأوضاع كما هي. ولكن من الأوهام السائدة عند كثيرين أن بإمكاننا تحقيق ذلك دون ثمن باهظ. هناك حقيقتان: الأولى أن التوطين يعني تغيير وضع قائم، والثانية أنه لا يمكن تغيير وضع قائم بدون ثمن وتضحيات كبيرة.
لماذا التوطين يعني تغيير وضع قائم، وهو تغيير مكلف؟
أهم أو من أهم مشكلات واختلالات سوق العمل السعودي شدة الاعتماد على الوافدين. وهذه الشدة تكونت وترسخت في النشاط الاقتصادي، على مدى عشرات السنين، وتأقلم مناخ الأعمال التجارية عليها، وأضحت أهم أسباب (الجزء الأكبر من) بطالة المواطنين. هي أحد عوارض المرض الهولندي، الذي جلبته ثروة النفط. اتسعت دائرة الارتزاق، وكثر المتكسبون بطرق مشروعة وطرق غير مشروعة. كثرة المشاريع تطلبت يدا عاملة. لكن الباب فتح فتحا لاستقدام يد عاملة، بسبب نظام الإقامة. أي أن الاستقدام مطلوب من الداخل وليس مطلوبا فقط من الخارج. عكس ما في الدول بأن الطلب يأتي في العادة من الخارج، أي من الراغبين في العمل في تلك الدول.
كيف؟ فتحت مئات الآلاف من المحال والمؤسسات والشركات بهدف استقدام عمالة تعمل لحساب ملاكها مقابل دفع رسوم أو ضرائب للملاك. ومع السنين ترسخت ثقافة التكسب الريعي، أي الحصول على عائد بدون جهد، وأصبح اعتمادنا على الآخرين يزيد مع مرور الوقت.
اتسعت دائرة الاتكالية على غير السعوديين. أصبح توظيف السعوديين عبئا، وزادت تكلفة تدريبهم العبء.
فتحت معاهد وبرامج تدريبية غلبت عليها (ولا أقول كلها) السطحية والمتاجرة بالتدريب. استوردت برامج تدريب لا تصقل المتدرب صقلا كافيا للقيام بالعمل على الوجه المطلوب. فتح باب الإعانة لبرامج تدريب دون تمحيص وضبط ورقابة كافية، فاستغلت الإعانة لمصلحة أصحاب مراكز التدريب.
هل لدينا معايير للجودة لجميع الأطراف من مدرب ومادة ومدة تدريبية؟ لا علم مؤكدا لي. ولكن الواقع يقول إن عندنا مشكلة جودة.
هل أقبل الشباب على التدريب كما خطط له؟ أسمع من كثيرين أجوبة خلاصتها أن الأكثرية لم تستفد أو لم تصمد. والأسباب كثيرة. كوجود وعود، في مصداقيتها شك، أو تدني مكافأة التدريب، أو مستواه، ونحو ذلك.
مشكلات التدريب كثيرة، هل المؤسسة العامة للتدريب المهني على علم بها؟ أتوقع أو يفترض ذلك.
من جهة أخرى، عملية التدريب متعبة ومكلفة. والحصول على مصداقية من التدريب تتطلب إمكانات كبيرة.
المعاهد كثيرة، لكنها ضعيفة إمكانات ومخرجات. وحقائبها التدريبية، دون تعميم، يغلب عليها الضعف. لا تفي بالغرض، ولا تحقق الأهداف كما ينبغي. والأسباب كثيرة، من مشكلات صياغة ومستوى مدرب وصرامة وحسن سياسات تدريب وفترة زمنية وحرص متدرب وحوافز تحفز المتدرب..إلخ.
من الحلول المطروحة للرقي بمستوى التدريب تقليد منهجية التدريب المتبعة في أرامكو أو سابك.
ما آلية تطبيق هذا الحل؟ ربما في إنشاء شركة تدريب حكومية برأسمال كبير كمليار ريال. وتؤسس هذه الشركة على أساس سياسات تدريب صارمة تكسب الشباب مهارات عميقة في نشاطات وقطاعات محددة، وفق سياسة تشبهه سياسة أرامكو أو غيرها من الشركات الناجحة في عمليات التدريب.
تقوم سياسة أرامكو على أهمية الاستثمار في الموارد البشرية من حيث التدريب والتطوير. تنفق الشركة مبالغ طائلة على التدريب. طبعا، إنفاق المال وحده لا يكفي، وبالله التوفيق.