قياس الأداء الحكومي ورقابة الإعلام الجديد
كان حصول رجال الأعمال على تأشيرات العمالة اللازمة لتحقيق أهداف وطموحات قطاعاتهم تخضع لمزاج ورؤية موظف وزارة العمل، وما فعله اليوم وزير العمل الحالي من خلال تحديده المعايير والآليات الواضحة والمعلنة للحصول على التأشيرات بكل شفافية، وتطويره منظومة برامج الحاسب الآلي التي تتيح للمستفيدين معرفة ما يستحقونه من تأشيرات من خلال النظام، ودون تدخل الآراء الشخصية في ذلك، يدل على قيام الوزارة بقياس أدائها في السابق وتلافي أوجه القصور واستطلاع الآراء للوصول إلى أرقى الخدمات بضوابط معلومة لكل من المستفيد ومقدم الخدمة.
إن معايير قياس الأداء أصبحت من المسلمات في عالم إدارة الأعمال وتطورت لتصبح آلية مهمة للمساعدة على تحويل رؤية قطاع الأعمال إلى واقع، ليس ذلك فقط في قطاع الأعمال، بل شرعت كثير من الدول في استخدامها كآلية تساعدها على تحويل الخطط والرؤى الاستراتيجية لتلك الدول لواقع، أو تعطيهم القدرة من خلالها لإصلاح أي قصور، فتقويم الأداء الوظيفي عملية إدارية تتم بغرض القياس للتأكد من أن الأداء الفعلي للعمل يوافق معايير الأداء المحددة، حيث يعتبر التقييم متطلبا حتميا كي تحقق أي جهة أهدافها بناءً على المعايير الموضوعة، ويعتبر تقييم أداء الموظفين عبارة عن مراجعة لما أنجزوه بالاعتماد على وصفهم الوظيفي ومعايير عملهم، كما يوفر تقييم الأداء معلومات عن المهارات التي يحتاجون إليها للقيام بمهامهم على أكمل وجه، فمن خلال التقييم وبناءً على نتائجه تتخذ القرارات بمكافأة المجتهدين ومعاقبة المقصرين، ومن هنا تظهر أهمية هذه العملية في ضمان جودة تحقيق الجهات المقدمة للخدمات أهدافها، والتحقق من مستوى كفاءة وفاعلية العاملين وقياس مدى الإنتاجية التي يسهم بها الموظف في إنجاح أعمال الجهة التي يعمل فيها، حيث أثبتت الدراسات في مجال علم النفس الإداري أنه توجد علاقة موجبة ومعنوية بين إحساس العاملين بموضوعية نظام تقويم الأداء والأداء الوظيفي، بمعنى أنه كلما زاد إحساس العاملين بفاعلية نظام تقويم الأداء المطبّق في الجهة التي يعمل فيها زاد مستوى الأداء الوظيفي، وهذا أمر منطقي؛ إذ إن نظام تقويم الأداء الذي يتسم بالفاعلية يسهم في كشف أوجه القوة والضعف في أداء الفرد أو جهة العمل ومن ثم ينمّي ويدّعم أوجه القوة ويعالج أوجه الضعف؛ ما يؤدي إلى رفع مستوى الفرد وجهة العمل عموما.
إن الإعلام الحديث وسرعة الحصول على أي معلومة، أو الانتقادات الموجهة لجهات معينة وسرعة انتشارها، لا بد أن تعني لكل جهة في الوقت الحاضر أنها لا تعمل بمعزل عن الآخرين، وأنه ليس هناك أسرار يتم التكتم عليها فيما يخص تقديم الخدمات وقياس الأداء، وأن الأولى بهذه الجهات في حال وجودها، أن تعمل على إصلاح الأخطاء وتطوير أعمالها وليس ملاحقة من سرب المعلومات أو أوجه القصور التي لديها، ومن هنا يتبين لنا أهمية تفعيل وظيفة التقييم التي يجب ربطها ليس فقط بالحوافز والعلاوات، بل يجب أن يتسع ذلك ليشمل تطوير عمل الجهة وتخطيط الأهداف المستقبلية، كذلك ينبغي علينا تفعيل وظيفة التقييم واجتثاث الروتينية منها حتى تكون المعيار المُعتمد عليه في التحفيز والتطوير لتتمكن الجهات من البقاء في البيئة التنافسية، فعملية التقييم إذا طبقت بناءً على معايير صحيحة ومواكبة للتقدم العالمي، فإن ذلك يساعد على تطوير الجهة وتحقيق أهدافها.. فالأمل والحلم في أن تكون لدينا رؤى وخطط استراتيجية لما يطمح إليه الوطن ترتبط بأهداف يمكن قياسها بتواريخ محددة لكل قطاع أو جهة حكومية أو شبه حكومية، وتعلن وتربط بمنظومة حاسب آلي يمكن لأي شخص الاطلاع عليها، ونستخدم الإعلام الحديث ومستخدميه كجهاز رقابة على هذه الرؤى والخطط، وبهذه الطريقة ومن دون تدخل المجاملة أو العلاقة الشخصية يتم تقييم القطاع المعني أو إدارته، وبالتالي نصل إلى تقييم صحيح يخدم معالجة الأخطاء والقصور إن وجد، ويطور من العمل وتقديم الخدمات، حيث تكمن أهمية قياس الأداء الحكومي في وضع استراتيجية لتطوير الأداء الحكومي، وإيجاد رؤية مستقبلية للارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي، وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وإحداث تغييرات شاملة في نظم وأساليب عمل الجهاز الإداري وزيادة فاعليته ورفع كفاءته ومساهمته في عملية التنمية وفق رؤية مستقبلية واضحة، لكن هناك كثيرا من التحديات والمعوقات التي تواجه قياس الأداء الحكومي، منها عدم وجود رؤية ورسالة واستراتيجية واضحة للعمل في معظم الجهات الحكومية تتناسب واختصاصاتها والمهام المكلفة بها وتكون موضع توافق من قبل العاملين في المؤسسة، وإن وجدت فإنها تكون بعيدة عن التطبيق.
فهل يحق لنا أن نطالب بمرجعية موحدة وكيان مهمته بناء وقياس ومراقبة الأداء الحكومي يستخدم منظومة الحاسب الآلي ويراقب من الإعلام الجديد.