الدرس الذي يجب أن نتعلمه من غزو العراق

تمر هذا الشهر الذكرى العاشرة لغزو العراق. لن أضيف خردلة إلى المعلومات العامة التي نمتلكها عن هذا الغزو وأسبابه وأكاذيبه ونتائجه الكارثية على الغزاة بصورة عامة، وعلى المنطقة والعراق بصورة خاصة.
ما أريد إيصاله في هذه الرسالة هو الدروس التي يمكن للمرء أن يتعلمها من هذا الغزو وإن كان العرب والمسلمون - الضحايا المباشرين له - قد استفادوا من هذه الدروس لتحسين حاضرهم ومستقبل أجيالهم وتحصينها ضد غزوات كارثية أخرى.
الإعلام الغربي، منذ بداية هذا الشهر ولا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة - بدأ في التركيز على غزو العراق والحرب التي رافقته. لا يمر يوم إلا وتقرأ في أكثر الصحف انتشارا وتأثيرا تقارير مستفيضة عن هذه الحرب. وترافق التغطية الإعلامية الكثيفة حلقات دراسية ومعارض وإصدارات شتى من كتب وكراريس ووثائق كانت سرية حتى الآن.
وتتبارى القنوات التلفزيونية في إجراء لقاءات مطولة مع الزعماء والقادة العسكريين الذين خاضوا غمار هذه الحرب. تُجرى هذه اللقاءات من قبل أشهر الصحافيين والإعلاميين الذين يمطرونهم بأسئلة حرجة مفادها إن كانوا يشعرون ببعض الندم على ما قاموا به بسبب الأكاذيب التي سبقته والفواجع التي أعقبته.
الغرب أدخل غزواته للعالمين العربي والإسلامي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) في مختبرات مركزة، وجعل منها مادة إعلامية يومية، ولا سيما غزوه الكارثي للعراق. ومن خلال قراءتي ومتابعتي لما نُشر حتى الآن، أرى أن الغرب على مستوى القيادات لا يشعر بأي ندم يذكر على ما اقترفه من جرائم وفظائع رهيبة في العراق.
بيد أن الغرب يحاول أن يستقي أكبر عدد من الدروس في كيفية القيام بغزوات لبلدان عربية أو إسلامية أخرى بأساليب وطرق مختلفة، هدفها الأول والأخير التقليل من خسائره دون الاكتراث بالمآسي أو ما يطلق عليه مجازيا "الآثار الجانبية" لعملياته.
وأول درس استخلصه الغرب هو أن نشر جنود بمئات الآلاف في هذه البلدان كما حدث في العراق مضر لمصالحه. الدرس الثاني إبقاء المنطقة - الغنية جدا بمصادرها الطبيعية ولا سيما النفط والغاز - في حالة فوضى تجعل منه المستفيد الأول من أي طفرة كبيرة في وارداتها.
هذه المعادلة قد لا يشير إليها قيادي بارز مباشرة في الإعلام، ولكن لا أظن أنها تغيب عن أي متابع نشط لما يتم طبخه الآن في كواليس المراكز البحثية الغربية، ولا سيما الجامعية منها.
وهذه المعادلة بالذات لا تقع ضمن نطاق نظرية المؤامرة لأنني لا أعزو الفوضى في المنطقة العربية كلها للغرب. كثير من الفوضى سببها العرب أنفسهم. ولكن عندما تقع الفوضى بأيد عربية كما هو الحال الآن في بعض الدول، غالبا ما يؤججها الغرب أو يقف موقف المتفرج.
الغرب لن يتخلى عن مصالحه واهتماماته بالشرق العربي والإسلامي. ولا الشرق العربي والإسلامي باستطاعته العيش في منأى عن الغرب لظروف يأتي الاقتصاد والسياسة والجغرافيا في مقدمتها.
ولكن الغرب تعلم درسا كبيرا من التاريخ وأسس هذا الدرس هو أن الفوضى في الشرق العربي والمسلم، ولا سيما إن وقعت على أيدي أبنائه، تؤدي في المحصلة النهائية خدمة كبيرة لمصالحه واستراتيجيته، وتقوّض فرصة اكتساب العرب ناصية العلم والمعرفة، وتأسيس مجتمعات مدنية حديثة.
الدول العربية والإسلامية الشرق أوسطية تتأثر جدا ببعضها. الفوضى في أي منها تكون لها تبعات إقليمية مباشرة، والخلق والإبداع في أي منها تكون له تبعات إقليمية مباشرة أيضا.
هذا من وجهة نظري يمثل الدرس الكبير الذي تعلمه الغرب من غزوه الكارثي للعراق ونحن في ذكراه العاشرة. هل باستطاعتنا القول إن العرب درسوا هذا الغزو بعناية فائقة واستخلصوا دروسا خاصة بهم؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي