رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أين «الجوازات»؟

وأنا أتابع الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها وزارة الداخلية لتطهير البلد من بعض الجاليات المخالفة منتصف الأسبوع الماضي تذكرت الإدارة العامة للجوازات التي تأسست قبل 54 عاما كإدارة مستقلة تتبع إدارة الأمن العام ثم وزارة الداخلية مباشرة.
وفي ظني أن المرحلة الأبرز في تاريخ ''الجوازات'' كانت قبل 15 عاما حينما عرفها الناس بصورة أكبر من خلال حملاتها الميدانية الشهيرة، وأدائها المذهل الذي قاده آنذاك رجل التغيير الفريق أسعد عبد الكريم.
أطربت ''الجوازات'' حينها المجتمع، وتسابق أفرادها وضباطها في تقديم جهود راقية ومنظمة، وتوعية إعلامية مستمرة بكل اللغات، وتنظيم مكتبي ميسر، أسهم في تنظيف البلد من مئات الآلاف من المتخلفين آنذاك.
استمر هذا الأداء المتوهج متماسكا لسنوات ثم بدأ في الهبوط التدريجي حتى مرحلة أقرب ما تكون للانطفاء، وهذا ما يثير تساؤلات المجتمع حول غياب هذا الجهاز الأمني رغم ما يملكه من موارد بشرية، وإمكانات مادية وتنظيمية، كاد معها ينحصر دور ''الجوازات'' في إصدار جوازات السفر وإقامات الوافدين عبر إدارات مركزية، وعمل مكتبي بحت، واختفى معها العمل الميداني بشكل لافت للنظر، ما اضطرت الأجهزة الأمنية إلى المساهمة في سد الفراغ الذي تركه غياب ''الجوازات'' بعد أن ازدحمت أقسامها بقضايا جنائية وأمنية لوافدين مجهولين.
تحتج الإدارة العامة للجوازات على النقد المتصاعد لأدائها بأرقام إحصائية تنشرها بشكل سنوي، تثبت من خلالها أنها تقوم بمهامها وترحل آلاف الوافدين المخالفين لنظام الإقامة بشكل سنوي، حيث ذكرت في آخر إحصائية على موقعها الإلكتروني أنها قامت بترحيل 575 ألف مخالف لنظام الإقامة خلال العام الماضي 1433هـ من خلال المنافذ البرية والبحرية المختلفة.
ومع احترامي لهذه الإحصائيات إلا أنها لا تتفق مع المعطيات على أرض الواقع، فالأجهزة الأمنية الأخرى والمؤسسات الاجتماعية والإعلامية، ترصد تقاريرها وجود مئات الآلاف من الوافدين بطريقة غير مشروعة، يشكل وجودهم تهديدا بالغا لأمن البلد ولا يوازي ذلك تحركا حقيقيا للتخفيف على الأقل من تبعات المشكلة.
هناك الآلاف من متخلفي الحج والعمرة، وهناك آلاف أخرى من المهاجرين بطريقة غير مشروعة عبر المنافذ الحدودية، وتحديدا الجنوبية منها، تطور وجودهم إلى عصابات منظمة تمارس السطو والاختطاف والمتاجرة بالخمور، وأفردت الصحف والقنوات الفضائية حلقات متكررة عن خطرهم المحدق بالسكان، ووثقت ذلك بالصوت والصورة وسط غياب تام من الجهاز الأول المعني بالقضية.
وهناك العمالة السائبة التي تحمل إقامات نظامية، لكنها تعمل في غير المهن التي استقدمت من أجلها ولحساب كفلاء غير كفلاْئهم الأصليين، أوجد تسيبهم ارتباكا في سوق العمل، وتجارة رائجة لأباطرة التأشيرات، وأسهمت أعدادهم في تحجيم وتشتيت خطط وزارة العمل وتفاقم قضايا التوطين والبطالة التي يجاهد الجميع للتغلب عليها.
فقدت ''الجوازات'' هيبتها بعد تراجع العمل الميداني وغياب الحملات المستمرة، ولم يعد المخالف يحسب لها حسابا كما في السابق، ومعظم من يقبض عليهم يعودون خلال أسابيع لمعرفتهم أنهم في أمان تام من الملاحقة والتعقب.
وزارة الداخلية لم تقصر في دعم جهاز ''الجوازات'' بآلاف الضباط والأفراد وتخصيص معهد تدريب خاص يخرّج كل ستة أشهر مئات الكوادر المؤهلة، لكنني لا أعرف ما الذي يجعلها الكوادر تذوب في مواجهة الواقع؟
وما يحيرني فعلا أن ''الجوازات'' وفق الأخبار المنشورة في عدد من الصحف قبل أربعة أسابيع ''تعتزم فصل إدارة الوافدين إشرافيا وإداريا عنها، وربطها مباشرة بوزارة الداخلية. وحسب الخبر المنشور هناك لجنة متخصصة من قطاعات عدة بـ ''الداخلية'' تعقد اجتماعات مكثفة لهذا الغرض، تراجع الإحصاءات لأعداد دوريات إدارة الوافدين وعدد الوافدين في المملكة، وأعداد وبيانات العاملين في إدارتهما، بهدف تجويد الخدمة والحد من انتشار العمالة السائبة، والاضطلاع بمهام أوسع في مجالات خدمات وإجراءات المقيمين - الوافدين''.
ورغم ما في الخبر من بعض التفاصيل الإيجابية إلا أنني أتساءل: إذا تم ذلك الفصل فعلا ماذا يتبقى لإدارة الجوازات من مهام؟ فالفصل وحده لا يكفي، بل العمل المتواصل وتكثيف الجهود في كل قرية ومدينة على مدار الساعة.
أما إعادة الهيكلة فلو كانت على نطاق أوسع لكان في نظري أفضل، فإصدار الجوازات من المناسب أن يكون تحت مظلة الأحوال المدنية التي تشهد تطورا تقنيا جيدا، وتسعى لإصدار معظم الوثائق في وثيقة إلكترونية موحدة، أما نقل الكفالات وإصدار الإقامات، فهناك مهام كثيرة تتداخل فيها ''الجوازات'' مع وزارة العمل ولا بد من توحيد الإجراءات بين الجهتين وتخفيف العبء على المستفيدين، وبذلك تتفرغ ''الجوازات'' لدورها الطبيعي الميداني في ضبط أمن وتحركات الوافدين بطريقة غير مشروعة، حيث يشكل هذا الطوفان المخالف أزمة لا يستهان بها وحرب استنزاف يومية لمواردنا الاقتصادية والطبيعية، وتهديدا مستمرا للأمن الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي