العمل التطوعي وغيابه عن المناهج الدراسية
قبل أكثر من 15 عاما دعاني أستاذ العمل التطوعي في المنطقة الشرقية الأخ الكبير عبد العزيز التركي لمشاركته ضمن فريق العمل المشرف على سباق الجري الخيري، وكانت بداية السباق في مدارس الظهران الأهلية في الخبر، وكان الهدف الأساسي منه يتمثل في بناء روح وثقافة العمل التطوعي في أبنائنا الطلبة من خلال مشاركتهم في إدارة فعاليات السباق، الذي يهدف في كل سنة إلى خدمة هدف محدد من الأهداف التي تخدم المجتمع، حيث تعلمت من هذه التجربة الكثير، خصوصا وأنا أرى السعادة والابتسامة على الوجوه، ومنها سعيت إلى المشاركة في الأعمال التطوعية أو التوعية بها لأهميتها الكبيرة للمجتمع.
وطننا يزخر بقصص عطاء مختلفة الأهداف يقودها معطاؤون من أهل الخير من مختلف المناطق والمذاهب يصعب حصرهم أو حصر أعمالهم، لكن هناك الكثير الذين يغيب عنهم فائدة العمل التطوعي الذي يعتبر قرارا ذاتيا يتخذه الفرد بنفسه لتقديم جهده أو ماله أو فكره، لتحقيق هدف معين يخدم هذا الهدف المجتمع ويساعده على تنميته، وهو عمل غير ربحي لا يقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفي يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية الآخرين القريبين أو البعيدين أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة.
لن أنسى يوما تلك السيدة الأجنبية التي حضرت لجمعية السرطان في الشرقية تطلب المشاركة بوقتها لعدد معين من ساعات العمل في خدمة أهداف الجمعية انطلاقا من إيمانها بوجوب العمل التطوعي حتى إن كان في بلد غير بلدها، بل من منطلق روح التطوع، كما تابعت على ''تويتر'' هاشتاق ''متعة العمل التطوعي'' الذي شارك فيه الكثير من المغردين أذكر منهم ابتسام المقرن التي غردت تتعرف في كل مرة على قلوب وليس أشخاصا.. وأماني العجلان، «لأني مؤمنة بأن التغيير يبدأ من أنفسنا.. فأنا أسعى جاهدة لأن أقدم جهدي ووقتي الخاص تطوعا لإحداث الفرق الإيجابي في مجتمعي»، وغيرهما الكثير الذين رسمت حروفهم أحاسيسهم وأمانيهم في العمل التطوعي، وهناك قصص نجاح كثيرة يصعب ذكرها، فمنطقة كمنطقتنا الشرقية لن تنسى المرحوم الوجيه عبد الله المطرود الذي أسس جمعية سيهات كأول عمل تطوعي يخدم المجتمع بشكل رسمي، كما أن قصص العطاء ليست وليدة اليوم، حيث اطلعت على وثيقة عمرها أكثر من 200 عام لعائلة يوصي كبيرها بوقف خيري يخصص عائده لنظافة منطقتهم، جميع هذه النماذج انطلقت من مجتمعنا الذي أعتبره يختلف عن كثير من المجتمعات بقوة ترابطه وحبه لفعل الخير ومساعدة الآخرين من منطلق الدافع الديني والروحي والنفسي بغرض كسب الأجر ومرضاة الرب والشعور بالسعادة، ومن منطلق الدافع الاجتماعي لتوثيق الروابط وتنمية التعاون والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، إضافة إلى ما يتميز به المجتمع السعودي من دوافع إنسانية ذاتية وشعوره بالألم تجاه الآخرين، وبالتالي تحركه لتقديم المساعدة والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وخير ذلك المشاركة الكبيرة التي تثلج الصدر في الحملات الإغاثية التي تنظمها المملكة.
ولكون العمل التطوعي قيمة إنسانية كبرى تتمثل في العطاء والبذل بكل أشكاله، فهو سلوك حضاري لا يمكن لأي دولة أن تتبنى برامج التنمية في المجتمعات من دونه، لأن هذا القطاع يتيح لكل أفراد المجتمع الفرصة للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي، كما يساعد على تنمية المسؤولية والإحساس بها لدى المتطوعين. أتمنى أن تتبنى وزارة التربية والتعليم تدريس ثقافة العمل التطوعي في المدارس كحصص أساسية ضمن المناهج الدراسية، وتربط ذلك بالتطبيق على أرض الواقع، وأكاد أجزم أنه لو بدأنا بهذه الخطوة سيتغير الكثير في نظرة وأحاسيس ومشاعر أبنائنا الطلبة التي ستنعكس على علاقاتهم في المنزل والمدرسة والشارع، ومن ثم في خدمة مجتمعهم التي ستكون مرتبطة دائما بالعطاء العام لخدمة المجتمع.