إياد مدني.. من وزارة الإعلام إلى «التعاون الإسلامي»
بالرغم من أن مجلس التعاون الإسلامي الذي تأسس في عام 1969 هو إفراز طبيعي للحريق الذي أشعله الصهاينة عنوة في المسجد الأقصى، فإنه أيضاً هو من روافد مشروع التضامن الإسلامي الذي أسسه ودعا له المغفور له- بإذن الله- الملك فيصل بن عبد العزيز.
وحينما قرر زعماء الدول الإسلامية تأسيس الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن السعودية لم ترشح مندوبها لتولي منصب الأمين العام، الذي ظل يتناوب أمانته ــــ طوال أربعة عقود ـــــ مجموعة من الدبلوماسيين من مختلف الدول الإسلامية الأعضاء، وكان آخرهم أكمل الدين إحسان أوغلو من جمهورية تركيا الشقيقة.
ولكن في اجتماع القمة الإسلامية التي عقدت في القاهرة في شباط (فبراير) 2013 قدمت السعودية مرشحها الأستاذ إياد أمين مدني وزير الإعلام الأسبق لتولي الأمانة العامة لمجلس التعاون الإسلامي، وطبعاً وجد الترشيح إجماعاً من كل الأعضاء.
وإذا كان تنصيب الأستاذ إياد مدني يأتي في مرحلة يتراجع فيها الدور الذي تقوم به جامعة الدول العربية وهي المسؤولة عن ملف القدس أيضاً، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: ماذا يستطيع البراغماتي إياد مدني أن يفعله حتى يحرك جميع أضلاع ومحركات هذه المؤسسة الإسلامية الدولية التي ظلت طوال ما ينوف على نصف قرن تتعامل مع لغة النفي والشجب والتنديد والاستنكار، وهي نفس اللغة التي أخذت الجامعة العربية إلى عالم العجز والإخفاق والاضمحلال.
بداية لا نستطيع أن نطلب من أمين مجلس التعاون الإسلامي أكثر من صلاحياته المعروفة، فهو ــــ على كل حال ــــ مسؤول عن "سكرتارية" 57 دولة إسلامية، ووظيفته محصورة فيما يقرره المندوبون الإسلاميون ليقوم بدوره بتنفيذ قراراتهم، التي نالت موافقتهم بالإجماع أو بالأغلبية.
ولكن ما نقصده هو أن هناك جدول أعمال دائما هو في الحقيقة في قبضة الأمانة العامة، وهذا الجدول يتيح للأمين العام فرصا كثيرة لتوجيه دفة المجلس نحو اعتماد مشاريع ذات أبعاد اقتصادية وثقافية ورياضية وربما سياسية!
ونجزم بأنه لم يعد أمام العرب والمسلمين سوى مجلس التعاون الإسلامي كي يطالبوه بالدفاع عن قضاياهم، وبالذات قضية فلسطين والقدس المحتل في مسجده المبارك وقبته المقدسة.
إن الأستاذ إياد مدني من المثقفين السعوديين المعتدلين، وثقافته الإسلامية الوسطية تساعد كثيراً على الاستمرار في نهج التوازن، ولكن بفعالية أكبر، فعالية يبحث عنها عالمنا الإسلامي في هذه المرحلة الدقيقة، التي نعاني فيها أمراض التخلف والتشرذم.
إن ما يساعد على تحقيق الفعالية لهذه المنظمة هو أن إياد مدني وسطي ومتوازن، وهو من البراغماتيين المجددين المبدعين، الذين إذا تقلدوا المنصب، فإنهم سيضيفون إليه من ملكاتهم وقدراتهم، ما يجعل هذا المجلس قادراً على تقديم الأفضل والأجدى نفعاً لعالمنا الإسلامي الذي يعاني ــــ كما ذكرنا ــــ أمراضا وأسقاما كثيرة.
ولذلك نستطيع القول إن مجلس التعاون الإسلامي يقف عند مفترق طرق، فهو لم يكن منظمة فاعلة، ولكن بالتأكيد هو منظمة تبحث عن دور فعال في زمن لا يُحترم إلاّ القوي الذي يتمتع بفعالية ومساهمة حقيقية في صنع الأحداث.
وإذا كنا لا نستطيع المقارنة بين الجامعة العربية ومجلس التعاون الإسلامي لأن أهداف الجامعة كانت وما زالت أهدافاً قومية وسياسية، فإن أهداف مجلس التعاون الإسلامي أهداف تعاونية وتضامنية بالكاد!
ولذلك، فإن المد القومي للجامعة العربية هو الذي أفشلها في حل المشاكل القومية المعقدة، بينما المد الإسلامي سيساعد مجلس التعاون الإسلامي على تحقيق مزيد من التعاون والفعالية بين الدول الإسلامية في مجالات كثيرة من أهمها التعاون الاقتصادي والثقافي والشبابي.
ويبدو أن كل المنظمات القومية مآلها الفشل، لأن القضايا القومية مليئة بالعقبات السياسية الكأداء، فمثلاً من الأهداف القومية للجامعة العربية تحقيق الوحدة العربية، وطبعاً هذا مطلب ترفضه القوى العظمى جملة وتفصيلاً، بل يرفضه كثير من الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، والشيء نفسه بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي بدأ يفقد خطاه ويحقق المزيد من التراجعات، التي تنذر بتفككه وانسلاخ بعض أعضائه من سبحة الاتحاد، التي كانت تجمع دولاً أوروبية على مضض، ولذلك نتوقع قريباً انسحاب بعض دول الاتحاد وتعريض الاتحاد للتفكك والانفضاض.
وإذا كان المد العربي قد بدأ يتراجع كثيراً ــــ كما أومأنا ــــ في ظل سقوط الأنظمة العربية التقليدية، فإن المجال أمام مجلس التعاون الإسلامي يبدو مفتوحاً الآن أكثر من أي وقت مضى.
وهذا لا يعني أن الأمور وردية وسالكة أمام مجلس التعاون الإسلامي، فهو منظمة تضم نحو 57 دولة، وهو عدد كبير جداً، كما أن كل دولة لها مشاكلها العرقية والطائفية، التي تهدد مبدأي التعاون والتضامن، ولذلك فإن طرح مشاريع القرارات على هذه الدول يحتاج إلى حنكة إدارية ناجزة نتمنى أن تجد من قيادتها الجديدة ما يسهل أمورها ويحسن أداءها وعطاءها.