هل يفكر العرب فيما يحدث لهم وحولهم؟
الشؤون العربية الداخلية والخارجية، ولا سيما في النواحي السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، تسير بشكل يخالف المنطق أحيانا، وقد تعاكس في كثير من الأحيان أبجديات العلوم السياسية والاقتصادية السائدة في عصر اليوم.
وأول مسألة خطيرة على العرب مواجهتها هي إن كانوا أمة أو قومية واحدة أم لا. إلى وقت قريب كان كثير من العرب ينادي بالأمة الواحدة والهوية الواحدة.
دون شك هناك الكثير الذي يجمع العرب من حيث الهوية التي تتمثل في اللغة العربية، حيث تضم لغة الضاد في ثناياها آدابهم وأيامهم وثقافتهم وفولكلورهم وأشعارهم - أي ذاكرتهم. ولكن أسمى وأقدس ما تحفظه لهم هو قرآنهم وأحاديث وسيرة نبيهم الكريم وآله وأصحابه.
هوية كهذه تفتقدها الكتل والمناطق الاقتصادية الكبيرة والمؤثرة في العالم، منها الاتحاد الأوروبي وأي تجمع اقتصادي أو سياسي أو ثقافي آخر في الدنيا.
ولكن رغم أن هذه التجمعات تفتقد اللحمة الثقافية المتمثلة في الهوية اللغوية للعرب ودولهم، تراهم في وضع سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي يغيب فيه كثير من المسائل التي تنغص على العرب ودولهم وحياتهم.
العرب في تناحر مستديم، وسيستمر ما داموا يفتقدون رؤية استراتيجية واضحة لما يجب أن يكون عليه حاضرهم ومستقبلهم في قادم الأيام.
أخطر ما يواجهه العرب ودولهم اليوم هو "الارتجال" في السياسة والاقتصاد وأمور أخرى شتى. والارتجال معناه غياب القيادة الجماعية التي تمثل في أقل تقدير مطامح غالبية الناس. الارتجال هو عكس الاستراتيجية. في الارتجال تأتي وتذهب السياسات وتؤخذ وتلغى القرارات استنادا إلى ما يبتغيه الفرد وليس العامة.
والسياسات العربية الحالية تشبه في كثير من مناحيها ما كان سائدا في أوروبا في القرون الوسطى أو بداية عصر النهضة، حيث كان من الصعوبة بمكان التمييز بين الخاص والعام في السياسة والقرارات والشؤون الاقتصادية والمالية. وكان منطلق السياسة في أغلبه صراعا دينيا ومذهبيا تؤججه المؤسسة الكنسية، أو صراعا تؤججه الشخصنة والمصالح الفردية الذاتية.
بيد أن هناك فرقا أساسيا بين أوروبا في تلك الفترة، والشرق الأوسط العربي وهو يمر اليوم بمخاض مشابه. في أوروبا عندئذ لم تكن هناك وسائل استخباراتية وعسكرية ومصالح دولية متشابكة ودول كثيرة تدّعى العظمة كما هو حال اليوم، عدا الاشتباكات العسكرية بين الفينة والأخرى مع العالم الإسلامي، ولا سيما مع الدولة العثمانية، كانت أوروبا تتمخض دون تدخلات خارجية تذكر.
اليوم الشرق الأوسط العربي يتمخض ومخاضه تشرف عليه قوى أجنبية استعمارية طامعة ذات أهداف ومصالح مختلفة، أكاد أجزم أنها كلها لا تكترث بمصلحة العرب أو دولهم، لأن استراتيجياتها مبنية أساسا على حماية مصالحها وحسب.
ومصالح الدول العظمى والأجنبية المعنية بالمنطقة العربية مبنية على استراتيجية بعيدة المدى ذات هدف واضح، أساسه أن يبقى الارتجال هدفا وغاية ووسيلة لكل السياسات التي يتبناها العرب.
"الارتجال" في السياسة العربية الذي تتبدل فيه المحاور من يوم إلى آخر بناء على رغبات شخصية أو منطلقات إثنية أو حزبية أو دينية أو مذهبية، خطر يدهم العرب من كل الجهات، ويحوّل دولهم إلى دول فاشلة يعود بها إلى ما قبل الثورة الصناعية واحدة تلو الأخرى.
"الارتجال" جعل الدول العربية متلقية لما يريده لها الآخرون، ولا سيما الأقوياء من الغربيين الذي لا يكنون الود للعرب، وأغلب العرب يدركون ذلك، إلا أن ارتجالهم جعل ألا مناص لهم سوى الاتكال على الآخرين ولعب دور المتلقين.