رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اسكت.. أزعجتنا!

يعاني الكثير من الأطفال، عدم الإنصات إليهم باهتمام من قِبَل الوالدين أو المعلم والمعلمة، وفي كثير من الأحيان لا يجدون من يشاركهم أفكارهم وأحاديثهم البريئة، إما لانشغال الأم بطفل أصغر، أو لكثرة واجباتها المنزلية والزوجية، أو "لطفش" الأب من هموم العمل وعدم توافر المزاجية الهادئة لديه للإنصات لطفله؛ لذا يكون الجواب الجاهز دومًا "اسكت تراك أزعجتنا"، أو "روح العب في غرفتك"، هذه الجمل الآمرة المخيفة لها ترجمة مغايرة في ذهن الطفل، حيث إنها تعني له أنك شخص غير جدير بأن ننصت إليك، وأنك تسبب الإزعاج لمن حولك، وأن اللعب بعيدا عن الآخرين هو الفعل الصحيح.
هذه الأمور الصغيرة التي لا ننتبه لها جيدا قد تسهم في بناء شخصية غير سوية لدى هذا الطفل، تخلق منه فيما بعد شخصا انطوائيا لا يميل لمشاركة الآخرين مشاعرهم ولا اقتسام أفكاره معهم؛ لأنه لا يملك القدرة على إدارة دفة حوار ما؛ لأن أحدا ما قال له وهو صغير "اسكت تراك أزعجتنا"، فتلقائيا قام عقله الباطن باستقبال هذه المعلومة على أساس أنها حقيقة راسخة، خاصة أنها قيلت له من قبل الوالدين وهم أشخاص يثق بهم وطوال سنوات متتالية كان سلوكه يدور في فلك هذه المعلومة.. إلا من رحم ربي!
الإنصات للطفل في غاية الأهمية، خاصة حين تشعره باهتمامك لما يقول، وتشجعه على أفكاره الإيجابية، وتساهم بتعديل أفكاره السلبية بشكل لطيف مقنع، لذلك حين تنصت إليه اجعل جسدك متفاعلا معك، فما فائدة أن يحدثك طفلك وأنت تقرأ الجريدة أو تتصفح الواتساب؟ النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ كان يشارك الأطفال اهتماماتهم، ويشعرهم بأهميتهم، ويقبل عليهم بجسده الشريف، فذات يوم كان ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ". (التغابن: 15)، وقال: نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"، ثم أكمل خطبته، إن إظهار المحبة والاحترام للصغار أمام الآخرين سينشئ لنا أجيالا تقدر قيمة ذاتها جيدا، وتملك الثقة القوية بنفسها، ولا ترتجف خوفا في اللقاءات العامة والاجتماعات الرسمية، ومن هنا ألوم بعض الآباء الذين لا يعودون أطفالهم الصغار على مقابلة ضيوفهم "وصب القهوة" لهم والترحيب بهم، هذه الأمور الصغيرة يجب ألا نتجاهلها!
كما أن الدخول لعالم الأطفال ومشاركتهم اهتماماتهم كفيل بتفجير طاقات الإبداع والمواهب الغضة بداخلهم، وقد كان حبيبنا خير من تعامل مع "أحباب الله" فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، وَكَانَ إِذَا جَاءَنا النبي قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ. نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا".
كم من مبدع وموهوب يعيش بيننا بصمت ولا نشعر بطاقاته الهائلة الكامنة بداخله، ربما لأن أحدهم قال له يوما "تراك أزعجتنا.. روح العب بعيد"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي