رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«الأمر بالمعروف» وبوادر التغيير المنتظر

لم أهتم كثيرا لإعفاء رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق الشيخ عبد العزيز الحمين وتعيين الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مكانه، ولم أتحمس أيضا للتصريحات التي أطلقها بعزمه ضبط العمل الميداني والحد من التجاوزات المتكررة للجهاز الحكومي الأكثر صخبا وجدلا على الساحة الإعلامية أخيرا لمعرفتي أن كثيرا من التصريحات تقال للاستهلاك الإعلامي، وببالغ الأسف هناك فرق بين ما تنشره وسائل الإعلام وبين الممارسات الفعلية على أرض الواقع باعتبار ـــ لا أحد محاسبا على الكلام ــــ سواء رئيس الهيئة أو غيره من قيادات الأجهزة التنفيذية.
لكن قناعاتي تتغير اليوم بعد انقضاء العام الأول لاستلام الرئيس الجديد مهامه، وأظن أنني لم أستعجل الحكم في ظل تواتر أخبار مدهشة وجميلة لدى الجهاز المثير للجدل تبشر بحراك حقيقي وإيجابي للتغيير.
فِرق الهيئة الميدانية قامت بتوزيع ''بطانيات''على بعض الوافدين في منطقة الهدا السياحية تقيهم برد الطائف القارس، وفِرق في جدة تزور المرضى وتهديهم الورد، وأخرى في تبوك تساعد المتضررين على تجاوز آثار السيول والأمطار، ومهام أخرى غاية في النبل والإنسانية لم نعتد على رؤيتها أو سماعها في مسيرة الهيئة التاريخية.
وهناك تخطيط لحملات توعوية، وإغاثية، ومساعدات إنسانية من صميم الأمر بالمعروف كما عرفت من بعض قيادات العمل الميداني، الذين سألتهم أيضا قبل كتابة مقالي ما الذي تغير فعلا؟ فقالوا: لي بالحرف ما تقرؤونه ويقال لكم: هي ذات التعليمات التي تصلنا بالصرامة والوضوح نفسيهما.
انتهى زمن التجاوزات وحان وقت المحاسبة، وبالتالي عاد قدر كبير من الهدوء والانضباط إلى الأجهزة الفرعية وأصبح أفرادها يشعرون بأنهم محاسبون قبل كل خطوة ينوون القيام بها.
النجاح المبدئي الذي تحقق ليس سهلا في ظل مقاومة كبيرة للتغيير تحدث بشكل طبيعي في كل المؤسسات التي اعتادت العمل وفق آليات سائدة، وفي ظل لائحة ضبابية تطغى فيها الاجتهادات وتتداخل فيها التعليمات ما بين الديني والتنظيمي.
وتحاول الإدارة الجديدة تعزيز موقفها وقدرتها على الاستمرار في ضبط الأمور من خلال إصدار لائحة موحدة وشفافة تنظم جميع أعمال الهيئة وتحفظ للمواطن والمقيم كرامته ولعضو الهيئة مكانته.
ووفقا لما نشرته ''الاقتصادية'' 29/1/2013 على لسان رئيس الهيئات ''أن النظام الجديد يهدف إلى تعزيز إجراءات الرئاسة وإزالة المواد التي توقّف العمل بها كما يوائم إجراءاتها مع نظام الإجراءات الجزائية الذي هو المرجع النظامي في جميع الأعمال التي تباشرها الهيئة بوصفه النظام الجزائي الموحّد لجميع جهات الضبط''.
وعليه، فالمجتمع بكل أطيافه الذي يشكل له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة رفيعة في أدبياته الدينية والاجتماعية يترقب إصدار هذه اللائحة التي تجعل من الأمر بالمعروف، كما عرفناه وتعلمناه، عملا إنسانيا نبيلا يرتقي بالمجتمع ويجعل من جهاز الهيئة مؤسسة مدنية ودودة قريبة من الناس، بعدما اختطفت هذه الشعيرة عقودا من الزمن وانحصرت في ممارسات متشددة، وتجاوزات منفرة من التجسس والمداهمات والتعدي على الحريات، تحت مبررات دينية مغلوطة، وسادت مفاهيم القسوة والتشهير والعقوبة بدلا من الرفق والنصح والمعالجة، بمساهمة مجموعة من الأعضاء منهم رسميون ومتعاونون ذوي تأهيل ضعيف، وثقافة ضحلة، وأفق ضيق، وهذا ما أشارت إليه بوضوح الإحصاءات السنوية للعام الماضي ونشرتها صحيفة الحياة (13/6/2012)، ورصدت أن أكثر من نصف العاملين يحملون الثانوية العامة فأقل، وتحديدا 2778 موظفا من أصل، 4389 موظفاً وعشرة يحملون شهادة الدكتوراه، و47 يحملون شهادة الماجستير، و73 يحملون شهادة الدبلوم، و1455 يحملون شهادة البكالوريوس.
واختزلت إنجازات الهيئة من خلال السباق المحموم بين الفروع في ضبط مئات الآلاف من الناس وتسجيل أكبر قدر من الوقوعات والتعهدات بلغت خلال العام الهجري المنتهي 1433هـ ''370748'' قضية، عدد أطرافها 392325 شخصاً، بزيادة تقدر بـ20 في المائة عن العام الذي سبقه.
وحتى مفهوم ''الستر'' الذي كان أساسيا في أعمال الهيئة تراجع وبقي تحت رحمة الاجتهادات الفردية، كما وثقته دراسة علمية ميدانية للباحث عبد المحسن التركي، وتشكلت صورة ذهنية في غاية السوء محليا وخارجيا جعلت المواقع والهيئات الأجنبية تخصص آلاف الصفحات على شبكة الإنترنت لمهاجمة المملكة بسبب الممارسات المغلوطة التي ارتكبها بعض منسوبي الجهاز في سنوات مضت ووثقتها وسائل الإعلام ومحاكم القضاء إن قيادات الهيئة الجديدة وهم يمضون بهذا الحماس نحو التغيير الإيجابي المنتظر مطالبون أكثر من أي وقت مضى بإعادة مفهوم الاحتساب إلى مكانته الرفيعة، التي تجعل منه عملا إنسانيا نبيلا، كما أراده الخالق لخلقه، يضاهي مفهوم المسؤوليات الاجتماعية للمؤسسات المدنية ويواكب المتغيرات الاجتماعية من خلال آليات حديثة وبرامج مبتكرة تجمع بين العمق والرصانة والتأثير، مع السعي الحثيث نحو زيادة التأهيل، وخلق لغة جديدة في فن التعامل ومد جسور الود مع الشرائح الاجتماعية المختلفة.
وأرى أن كل الظروف مهيأة لتحقيق ذلك في ظل دعم الدولة ومؤازرة المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي