رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


غيبوبة اختيارية لا قسرية

كثيراً ما نسمع أن شخصاً من الناس دخل في غيبوبة - لا سمح الله - نتيجة حادث تعرض له أو ورم أو ضربة على الرأس، أو أي سبب آخر، وقد يكون فقدان الوعي لفترة قصيرة أو طويلة قد تمتد لسنوات، إلا أن المهم بالنسبة لموضوعنا هو فقدان التواصل مع العالم الخارجي، وعدم التمييز بين الأفراد المحيطين ولا القدرة على إدراك المثيرات المحيطة، إضافة إلى فقدان القدرة على القيام بأدواره الحياتية المعهودة، وهذا يعتمد على الحالة وشدتها، وقد يتسبب فقدان الوعي في عدم القدرة على التحكم في الأطراف، والحواس إلا ما ندر، ذلك أن مركز التحكم والسيطرة، ألا وهو المخ الموجود في جمجمة الرأس، لا يكون في الوضع السوي الذي يمكنه من إصدار الأوامر بالشكل والوقت المناسب وحسبما وصله من تنبيهات من العالم الخارجي.
ما يحدث للأفراد يحدث للمجتمعات والمؤسسات والمنظمات والدول، فقد يمر على مجتمع من المجتمعات، أو مؤسسة في وطن من الأوطان وقت تكون فيه الأوضاع راكدة، بل جامدة لا حراك فيها ولا تغير ولا جديد، وهذا شبيه بحالة الغيبوبة التي يتعرض لها الأفراد، لكن الفرق بينهما أن الحالة الفردية قسرية وليست اختيارية، فالفرد لم يختر أن يكون فاقداً لوعيه، بل إن الأمر لأسباب خارجة عن الإرادة والرغبة، أما المجتمعات فقد يكون الأمر أشبه بالاختياري خاصة المجتمعات التي تتوافر لها الإمكانات ومصادر القوة والنماء، ومع ذلك لا تتغير ولا يكون لهذه المصادر أثر في حياة الناس وظروفهم المعيشية.
ترى ما الذي يدخل المجتمع في حالة الغيبوية؟ العوامل والأسباب تختلف من مجتمع إلى آخر، قد يكون السبب في مجتمع أنظمة عقيمة تسهم في إيقاف عجلة النمو والتطور حتى تتحول هذه الأنظمة إلى عائق ومعطل لأي حراك أو تغير، كما أن الهواجس والمخاوف من التغيير لدى أفراد المجتمع أو فئة منه، أو الطبقة السياسية يكون السبب، حيث لا تكون على مستوى المسؤولية التي تمكنها من إحداث التغير في مجتمعها، لذا يكون الركود السمة البارزة مما يدخل المجتمع في سبات عميق، ويظل المجتمع على وضعه دون أي تغيير أو استجابة لما يحيط به من أحداث أو تغيرات، ولنا في مجتمعات كثيرة أمثلة، حيث إن بعض المجتمعات تعمد إلى إيقاف وتجريم الأنشطة كافة ذات الأثر البنيوي في المجتمع، حيث تعطل أو تمنع بتاتاً مؤسسات المجتمع المدني، كالمؤسسات الخيرية، أو النوادي الثقافية، أو اتخاذ إجراءات تحول دون التواصل الفاعل بين أفراد المجتمع على شكل تجمعات وأنشطة عامة خارجة عن الإطار الرسمي الذي يقيد التفكير ويوجه الأنشطة في اتجاه واحد فقط.
الثقافة المجتمعية متمثلة في العادات والتقاليد ونوع القيم السائدة في المجتمع، وكذلك الأمثال الشعبية والأساطير السائدة، كل هذه تلعب دورها في تعطيل العقول وكفها عن التفكير السليم والإبداعي، حتى إن أفراد المجتمع يكونون نسخة واحدة في طريقة تفكيرهم ورؤاهم واهتماماتهم حتى يتحولوا إلى أشبه بعقل فرد واحد، وفي مثل هذه الحالة يدخل المجتمع في حالة جمود أشبه ما تكون بالغيبوبة التي يمر بها الأفراد، حتى إنه يمر على مجتمع من المجتمعات عقود أو قرون وهو على وضع واحد دون حراك أو تغير، ولسان حال المجتمع ''إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ''.
الطبقة المثقفة لها دورها السلبي، حيث تمارس دوراً مضللاً للمجتمع من خلال تسويق آراء وأفكار تخدم مصالح خاصة ضيقة، وتقدم هذه الأفكار على أساس أنها مسلمات وثوابت لا يجوز الخروج عليها أو حتى المناقشة فيها، كما أن هذه الطبقة، وهي تتصدر المشهد الثقافي، تعمد إلى تصوير نفسها كمصدر وحيد للمعرفة، والحكمة والرأي السديد، ولا يجوز لغيرها مناقشتها في هذا الموقع.
هذه الأسباب مجتمعة أو منفردة هي ما يتسبب في الغيبوبة الاجتماعية التي يمر بها أي مجتمع، وإذا ما أردنا إحداث إفاقة اجتماعية لا بد من تحديد السبب أو الأسباب، ومن ثم إزالة هذه الأسباب أو إضعافها ليتحقق الحراك والنمو والتطور والفاعلية التي تنقل المجتمع من حالة السبات إلى وضع اليقظة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي