الكل يتحمّل المسؤولية في هذه القضية
ظهر على السطح الأسبوع الماضي ظاهرة انتشار المجهولين الإثيوبيين في المنطقة الجنوبية من بلادنا، وروجت وسائل الاتصال غير الرسمية خطر هؤلاء على البلاد والعباد، ما أثار الفزع في النفوس والرعب في القلوب. ونحن لا ننكر ولا نؤكد كل ما يحدث، فالأمر يظل غير رسمي، لأن الجهات المعنية لم تقدم لنا أي بيان أو تصريح عما يجري ولم تنف أو تؤكد كل ما يحدث، رغم أن وسائل الإعلام الرسمية تنشر بعض التصريحات وتظهر بعض الصور بين الوقت والآخر. وسواء أكان الأمر حقيقة أم مبالغا فيه فإن الوقت مناسب لوضع قضية المجهولين - ليس فقط الإثيوبيين - تحت المجهر، نتطرق لأسباب وجودها والوسائل التي أدت إلى تفاقمها.
في البداية يجب أن نعرف أن المشكلة ليست مقتصرة على الجنسية الإثيوبية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى العناصر المجهولة كافة من جميع الجنسيات سواء أحدثت فوضى أو بقيت مداهنة تترقب الفرصة السانحة للعبث والفوضى، فهناك ما يقارب خمسة ملايين - حسب التقديرات غير الرسمية - مخالفين لأنظمة الإقامة في بلادنا من جنسيات مختلفة، بعضهم استوطنوا الأرض وألفوا الدرب حتى أصبحوا شعوبا وقبائل تسكن بيننا دون علمنا. حتى تتضح لنا الصور أكثر علينا كمواطنين ومسؤولين أن نجيب بكل صراحة عن الأسئلة التالية: كيف دخل هؤلاء البلاد؟ كيف استوطنوها؟ مَن تعاطف معهم؟ مَن آواهم؟ من استعملهم؟ مَن استأجرهم؟ ما المصلحة التي يجنيها المواطن، أو المقيم، أو المسؤول من غض الطرف عنهم؟ هل كنا جاهلين بخطرهم؟ لو أجبنا عن هذه الأسئلة بكل صراحة ووضوح لزال منا العجب ولعرفنا كيف نعد خطة منطقية لتطهير البلاد منهم.
دعونا نجيب عن السؤال الأول: كيف دخلوا البلاد؟ وسؤال كهذا يقودنا مباشرة إلى تقييم أداء عمل المنافذ، فوجود أعداد هائلة تقدر بالملايين من جنسيات مختلفة يصيبنا بالدهشة من آلية عمل المنافذ، لذا دعونا نتفق على أن هناك بالفعل خللا في أداء عمل المنافذ وأنها بالفعل تحتاج إلى إعادة هيكلة، وتدريب، وربط أجزائها ببعض، وتطويع التقنية لمراقبة النقاط الحرجة وغيرها، نترك ذلك للمختصين وهم لن يعجزوا عن تقديم آلية تُضبط بها الحدود.
أما كيف استوطنوا البلاد؟ فيحتاج منا إلى تفصيل أكثر لأنه ينقلنا إلى المرحلة الثانية من حياة المجهولين، وهذه المرحلة يتحمل مسؤوليتها المواطن والمسؤول على حد سواء. فلم نر المواطن يحرك ساكنا خلال السنوات الماضية عندما كان يرى المجهولين يسيرون أمام عينيه فرادى وجماعات يحملون السلاح الأبيض، بل على النقيض تماما نرى أغلبيتنا يستقبلونهم، ويتعاطفون معهم، ويتسترون عليهم، بل نأويهم، ووصل الأمر إلى أن بعضنا يخفي عن السلطات وجودهم. كما أن بعض المواطنين يتعهدون بإيصال المؤونة من غذاء وكساء وغطاء لهم في مواقع مجهولة ووعرة بمبالغ زهيدة. وعندما تفاقمت الأزمة وصلب عودها وانتشر خطرها وأصبح وجود الإثيوبيين يهدد أمن الناس انتفض المواطنون ورموا بالتهمة على الجهات الأمنية بسبب عدم تأمين حياتهم والمحافظة على أمنهم، وهم (المواطنون) لهم دور كبير في انتشار المجهولين الإثيوبيين وغير الإثيوبيين، ويتحملون جزءا من تفاقم هذه الظاهرة.
ولم يقتصر الوضع على المواطن الفرد العادي، بل تعدى ذلك إلى الشركات والمؤسسات وبعض الدوائر الحكومية، فكل هؤلاء اشتركوا في تفشي ظاهرة المجهولين ولو بقدر. كثير من قطاعات الأعمال والمؤسسات الحكومية تمكن المجهولون من العمل وهم الآن - وأنا أكتب هذا المقال عنهم - يؤدون أعمالهم في مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة يمارسون عملهم كأنهم مواطنون أو مقيمون نظاميون، بل قد يؤتمنون على أسرار يصعب عليك أنت كمواطن أن تطلع عليها، ويغادرون البلاد ويعودون إليها متى ما شاءوا من دون تأشيرة، ومن دون تذكرة، ومن دون صفوف انتظار، فالأمر لا يتطلب منهم سوى التسلل عبر منافذ يعرفونها وتعرفهم.
ورغم أننا نحمل المواطن وقطاع الأعمال والجهات الأخرى جزءا من انتشار المجهولين الإثيوبيين وغير الإثيوبيين، إلا أننا لا نخلي دور الجهات المعنية في تفشي هذه الظاهرة، فهذا يدل على أن هناك تساهلا وتهاونا في تطبيق النظام فيما يخص انتشار المجهولين ناهيك عن تراخي المنافذ، الذي سبق أن تطرقنا إليه.
لقد كانت الأهداف الأولية للمجهولين متواضعة تتمثل في الأكل والشرب ثم الأمن والكساء، وكانوا أقلية لا يتعدون بضع مئات، إلا أنه زاد عددهم بحكم الحروب والمجاعة في بلادهم وتساهل رجال المنافذ عنهم، كما يبدو أنهم تكاثروا هنا في بلادنا، فلديهم مقدرة على تحمل ظروف صعبة وقاسية، ولديهم مقدرة على العيش في ظروف بيئية سيئة وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ومنها التكاثر. وقد كانوا بالأمس يمارسون عملهم على استحياء ويرضون ولو بقليل من الطعام والشراب، لكن عندما قلت مصادر الرزق بين أيديهم، وبما أنهم مجهولون ويصعب إثبات سلوكياتهم فمن الطبيعي أن يمارسوا أي نوع من العمل مباحا كان أو غير مباح فانتقلوا من رعاة أغنام إلى مروجين للرذيلة، فصناع للخمور فتجار للسلاح أو المخدرات، وعندما قويت شوكتهم وتضاعف عددهم شعروا بالقوة والانتماء وألفوا المكان وعرفوا مداخل ومخارج ومنافذ القرى والهجر والسفوح والجبال والوديان. ومارسوا كل ذلك دون أن يلاقوا جزاءهم بحكم صعوبة تتبع آثارهم وعدم الجدية من قبل المواطن والمسؤول في القضاء عليهم.
وبما أن المشكلة ما زالت قائمة، وإن خمد فتيلها برهة فستعود لتظهر من جديد وبقوة، لذا نريد الحلول المنطقية والإجراءات العملية لمثل هذه القضية، وهذا لن يتأتى دون تعاون المواطن والجهات المعنية دون مكابرة أو عتاب أو إلقاء اللوم على الآخر، فالكل يتحمل المسؤولية في هذه القضية.. المواطن والمسؤول.