الوظيفة النسائية ليست مسؤولية «التربية» فقط
تطالعنا الصحف الورقية والإلكترونية والقنوات التلفزيونية بشكل شبه يومي، بقضية المعلمات المغتربات عن مناطقهن والمعاناة التي يعانينها من البعد الإنساني والاجتماعي، وحوادث الطرق التي يهتز لها الإحساس ويبكي لها القلب حسرة على هؤلاء المعلمات وكأني بالأمير فيصل وزير التربية والتعليم ونوابه الدكاترة خالد وحمد ونورة من أوائل من يحزنهم ويزعجهم ذلك.
كذلك نجد معاناة المعلمات المغتربات تظهر وتتكرر في كل عام مع إعلان وزارة التربية والتعليم حركة النقل الخارجي للمعلمين والمعلمات، وانخفاض نسبة النقل التي تتجدد معها المعاناة لعام آخر في ظل مطالبتهن وزارة التربية والتعليم بإيجاد حلول تنقلهن إلى مدنهن ليستقررن بين أهليهن، وهو مطلب لا يختلف عليه أحد في أحقيته لهن.
في ظل تأكيد دراسة حديثة، أن تكلفة الحوادث المرورية في المملكة تبلغ 87 مليار ريال سنوياً، وأن 35 في المائة ممن يتعرضون لهذه "الحوادث" يعملون في حقل التعليم (معلمون أو معلمات) يحق لنا التساؤل هل كثرة الحوادث التي تتعرض لها المعلمات مسؤولية وزارة التربية والتعليم فقط؟ من وجهة نظري قد تكون المسؤولية متشعبة ومتداخلة بعض الشيء بين جهات مختلفة تشمل الطرق ووسائل النقل والسائقين، ولا ننسى الجانب الأكثر أهمية، ألا وهو البعد الاجتماعي والثقافي لعمل المرأة في مجالات أخرى. وربما هنا أطرح تساؤلا: هل مسؤولية وزارة التربية والتعليم توفير وظيفة تعليمية لكل امرأة في وطننا في منطقتها؟ والجواب بكل تأكيد لا.
إن حل هذه المشكلة هو في فتح مجالات أخرى من التوظيف للنساء، وعدم التركيز بشكل كبير على مجال التعليم فقط، وما آمله هنا أن تقوم كل منطقة من خلال إمارة المنطقة بالشراكة مع كل الوزارات المعنية (التجارة والصناعة، العمل والتخطيط وغيرها حسب طبيعة المنطقة) بتبني ذلك عن طريق دراسة المجالات التي يمكن عمل المرأة فيها في منطقتها دون اضطرارها إلى الذهاب إلى أماكن بعيدة، بما يشمل توفير كل الوسائل المحققة لذلك من نقل وحضانة وإقرار الدعم الواجب للوصول للهدف والجهة المسؤولة عن توفير ذلك الدعم، مع إلزام الجهات الأخرى كل في مجالها بتنفيذها كمرحلة أولى ومرحلة لاحقة متوازية معها من خلال تبني مشاريع خالقة للوظائف النسائية وتناسبنا اجتماعيا وثقافيا وإجبار الجهات المعنية بإنشائها وتنفيذها، أي أنها باختصار عملية إحلال أولا، وثانيا خلق للوظائف النسائية، مع الأخذ في الاعتبار الأهمية القصوى في أن يوفر للموظفة السعودية، خاصة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات شبه الحكومية والشركات الكبرى، التي تملك الدولة 51 في المائة منها وأكثر حضانة أطفال كاملة ومتكاملة ومنظمة وآمنة، وتتوافر فيها جميع وسائل العناية والرعاية والإشراف، وكذلك وسائل النقل الآمنة، وبالتالي حققنا أمل أخواتنا وبناتنا في الوظيفة المناسبة بما يضمن ويشمل الاستقرار الاجتماعي والراحة النفسية، فإذا لم يتم التحرك بشكل عاجل ومعالجة هذه المشكلة جذريا فإن مسلسل حوادث المعلمات سيبقى وستبقى معاناة ذويهن من جانب، ومن جانب آخر طول مدة انتظارها للحصول على الوظيفة، وما أرقام حافز عن نسبة النساء التي تبلغ 82 في المائة إلا مؤشر على القضية وتفاقمها. فيا مسؤولينا الأفاضل اعملوا معا لتحقيق ما تصبو إليه المرأة من وظيفة تكفل لها العيش الكريم وتكفيها شر حوادث الطرق من جهة، ومن جهة أخرى توفر لها الجو العائلي والاجتماعي المناسب.