تجميع ياباني

يتساءل كثيرون عن سر عظمة الشعب الياباني وقدرته المذهلة على الخروج من الأزمات التي يمر بها، في وقت قياسي لا يتعدى الأشهر، رغم أنها قد تحتاج في بعض دول العالم الأكثر تقدما إلى سنوات عدة، وكما هو معروف فإن اليابان بلد تهزه الزلازل بشكل شبه سنوي وتخلف وراءها آثارا مدمرة، لكن رغم ذلك تنهض من عثراتها في كل مرة وهي أكثر صمودا وقوة وتقدما، فما السر في ذلك؟!
دعوني أخبركم أولا بأمرين؛ أما الأمر الأول فيتعلق بخبر تناقلته وسائل الإعلام، يتحدث عن تطوع أكثر من 250 شخصا من كبار السن في اليابان أعمارهم فوق 60 عاما للدخول إلى مفاعل نووي في فوكوشيما في محاولة لإنهاء أزمة الاشعاعات النووية التي حصلت بسبب زلزال مدمر ضرب اليابان، حيث وصلت هذه الإشعاعات إلى درجة خطيرة على صحة الإنسان، مما عطل محاولة إصلاح الخلل في المفاعل بالرغم من وجود نحو ألف عامل شاب في المحطة، وقد أطلق الإعلام على هذه المجموعة تسمية (الكتيبة الانتحارية)، وتقول المجموعة إن الأبحاث أثبتت بطء تحول وانقسام الخلايا بتقدم السن، مما يعني أن أثر الإشعاعات في كبار السن أبطأ بكثير من أثره في الشباب، وأيضا تقول هذه المجموعة أن جيلهم هو الذي حث على استخدام الطاقة النووية، مما يجعلهم مسؤولين عن هذه الكارثة، وبذلك عليهم تحمل المسؤولية، ثم أنهم يفضلون أن يصابوا بالسرطان من أثر الإشعاع على أن يصاب به آلاف الشباب من هؤلاء العمال.
الأمر الثاني هو أيضا خبر قرأته وأذهلني تماما؛ يفيد بأن مديري المدارس في اليابان يأكلون من طعام التّلاميذ قبلهم بنصف ساعة للتأكد من سلامته، لأنّهم يعتبرون التلاميذ مستقبل اليابان الذي تجب حمايته، وفي المقابل فالأطفال اليابانيون ينظفون مدارسهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع المدرسين، وبتشجيع من الأهل أنفسهم؛ لخلق جيل واع مؤمن بأهمية الاعتماد على النفس والتواضع والعمل الجماعي. حقائق مدهشة تجعلك تقف منبهرا، أمام عظمة هذا الشعب الذي نهض من تحت ركام القنبلة الذرية والحرب العالمية، ليصبح من أكبر الدول الصناعية تقدما، وتغزو بضائعه العالم وتحظى بالجودة والدقة المتناهية.
ويعود السؤال يلح من جديد: ما سر عظمة هذا الشعب؟!
في رأيي المتواضع أن السر يكمن في أمرين: ''الوطنية والإنسانية''، فالياباني يعشق اليابان لحد الشغف، ولذلك نراهم يحرصون على الدقة والإتقان وروح الفريق والعمل الدؤوب، بغض النظر عن أية صغائر قد تعيق ذلك، وفي الوقت نفسه فهم شعب متمسك بالعلاقات العائلية ويحترم عاداته وتقاليده بشكل رائع، ورغم أن اليابان من الشعوب الغنية، إلا أن وجود الخدم بالمنازل من الأمور النادرة، فالأم والأب يهتمان كثيرا بتعويد أبنائهما على الأعمال المنزلية والاعتماد على النفس منذ الصغر..!
ما يعوق بعض دول العالم الثالث من التقدم مثل اليابان، هو أنها ما زالت لم تتخلص بعد من قيود العنصرية والطائفية والقبلية والمناطقية والحزبية والحسد والمصالح الشخصية وهلم جرا، ولهذا تظل بلدانهم ''محلك سر''!!
هناك أمر أخير أود إخباركم به عن هذا البلد العجيب وأعتذر منكم إن شعرتم بعده بالحسرة والشجن على أيامنا المهدرة، إن.. معدل تأخر القطارات في اليابان خلال العام الواحد هو سبع ثوان فقط في السنة، سبع ثوان فقط .. يا سادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي