رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جلسةٌ مع الأمير

.. لن أقول: إن كل شيء يبدأ وينتهي بالمنطقة الشرقية من المملكة.. ليس دقيقاً. وأدّعي أن في الجملة ما يحتملُ الصحّة. وهنا تفيض موجةٌ كبيرة من التحدّي، بأن تُبنى هذه المنطقة كمنطقة إنتاج، ومنطقة إعدادات وبنى تحتية، وتعليم وصناعة، وتخطيط جديد برؤية جديدة وجادة وكاشفة وعارفة.. ومثقفة.
الطاقة الأهم على مدى الزمن هم الشباب. فإنّ كسْب الشباب مهمٌ جداً بأي مكان، وفي المنطقة الشرقية يأخذ وضعاً أعمق يتطلبه ظرف الديموغرافيا والأفكار والتاريخ القريب. إن المنطقة الشرقية مهيأة ليبدأ منها إعداد شباب على الطراز العالمي في العلم والعمل والمنشط الاجتماعي وفي الولاء للأرض التي تحميهم ويعلمون أنهم يجب أن يحموها ويطوروها ويبذلوا من أجلها.. والشباب في المنطقة لديهم الاستعداد لذلك بفضل طبيعة المنطقة التي اختلطت بثقافات وحضارات عالمية وبإدارة عامة متميزة من أوائل الخمسينيات لرفع العطاء الشبابي واستنهاض قوته الكامنة والظاهرة.
تحتاج المنطقةُ إلى عقل قوي وقادر ومؤمن بهذا الواقع، لكي يبدأ ببناء منطقة قد نراها حلماً الآن، ولكنه ممكن التحقيق، وتحقق في أكثر من مكان. تحتاج المنطقة إلى قائد استثنائي في منطقة استثنائية بظرف استثنائي. وعلى هذا القائد مسؤولية ليست تاريخية فقط، بل مهمة قـَطـْرِ الحاضرِ للمستقبل، الآن.. وليس في المستقبل. مهمة تتطلب قائداً يتلبس المسؤولية. المسؤولية لا تعني معناها ولا تستقي قيمتها ولا تتضح رؤاها بلا محاسبة.. أولها القدرة على مساءلة النفس، ثم عدم تحميل العاملين معه أكبر من دورهم ولا أقل من دورهم، لأن الصلاحيات قابلة للتفويض، والمسؤولية حتما لا تقبل التفويض. برأيي تلبّسُ هذا المعنى هو كالمرتكز الأول للاعب الزانة كي يقفز أعلى، ولمرتكز المسؤول كي يصعد بمنطقة مسؤوليته أعلى.
كانت الجلسةُ مع الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية، لقاءً فيه الطابع الشخصي فلم تربك الرسمية مجرى العفوية في النقاش، وفي الجلسة رجالٌ قليلون مؤثرون في المنطقة. أول انطباع ستشعر به هو أن الأمير سعود له ملامح عفوية وطبيعة تعاملٍ مريحة تجعلك تضع أعصابك على أريكة مريحة، فيستيقظ عقلك، وترى أن أسهل الأشياء هي إزجاء نقاط الضعف والمشكلات في المنطقة، وهذه وسيلة مهمة يستقي منها المسؤول جداول المعرفة في منطقته ويوازن الآراء خارج التحفظ الرسمي ليقيسها ببُعد آخر بتوازن مع التقارير الرسمية كوسيلةٍ إداريةٍ ناجعة في الجمع بين الرأيين، الرأيُ المُهتم الذي لا يحمل مسؤولية رسمية فلا ضغط عليه في تقديم الأمور، كما هي، وبين مَن يقدمون الرأيَ بصفاتهم الرسمية، فتتكون نظرة ذات زاويتيْن يتسع فيها استلهام المشكلة من نواحيها المتفرقة ليكون الحلُ شاملاً الجوانب كافة.
الأمير سعود فوق رحابة صدره وترحيبه بالناس وآرائهم يصرُّ على القول: إنه يخدمهم، وكرّرها أكثر من مرة، وكأن رسالته هي أنها ليست كلماتِ تنميق وإنما إرهاصات عمل. ومن جانب الثقافة والاطلاع، طوال الجلسة مع الأمير سعود استُعرضت حتى المواضيع الاجتماعية الصحية السائدة في المجتمع، وأشفعها بإحصاءاتٍ ونسب مئوية من مصادر ودراسات عالمية. كما أن الاعتراف بوجود المشكلات أول حلها، فقد قال بلا تردّد عن تراخي موقعنا الصحي بين الدول، وعن مؤشر الكسل في البلاد.
ويبقى أننا لم نفتح موضوع الشباب والعمل التطوعي وهو موضوعٌ أنا متأكد أن عقلية الأمير ستعطيه أهمية بالغة، فاستقرار الشباب ورضاهم وثقتهم بمسؤوليهم لا يمكن التغاضي عنها لثبات أركان الأمة. وربما يأتي وقتٌ تسمح الفرصة لاستعراض الموضوع الشبابي مع الأمير في المنطقة لتنسحب على كامل شباب البلاد.
إن الأمير سعود منضبط ودقيق في مواعيده، وهو مؤشرٌ مهم، فالوقتُ أثمن ما على الأرض، ولا يمكن إعادة نصف لحظة فلتت، واحترامه يدل على الاستفادة من الوقت للإنجاز.. لو لم يكن هناك اندفاعٌ للإنجاز، فلن يكون للوقت عندها أي معنى!
نتفاءل بتطور كبير للمنطقة، القابلة للتطور سريعاً بمرافقها العامة والخاصة، في الصحة والتعليم والتطوير التحتي والعلوي، والاستفادة بمهارة وذكاء وحكمة من عناصر واعدة في مجتمع المنطقة وعناصرها المتفرقة، ونظرة تفاؤل أن تتحقق راحة الناس، وإدارتهم بشكل صحيح، وهذا يكون بالتعامل المتحضّر، والتوزيع العادل، والمنطق الواضح.
هذه العربة المطهمة التي هي المنطقة الشرقية تستحق أن يقودها رجلٌ، كما قلتُ لسمو الأمير، مشعٌ في فكره وفي أخلاقه وفي تطلعاته، وفي سياسات عمله.
وبتوفيق الله ستجري هذه العربةُ على طريقٍ سهلٍ بمحطاتٍ واضحة.. للأهداف الكبيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي