رهام.. وأزمة في الإعلام!
من قضية الطفلة رهام التي استحوذت على المشهد الإعلامي الأسبوع الماضي، إذا أخذناها كحالة دراسية، نجد أننا إزاء جوانب تستدعي الوقوف والتأمل والتحليل، وأبرز هذه الجوانب، وربما هناك غيرها، هو تطور ''ظاهرة التأزيم'' في الإعلام المحلي، حيث تصل حالة الشحن النفسي ذروتها في الدعوة لاستقالة المسؤولين على مختلف المستويات.. والآن وصلت إلى الوزراء وربما يرتفع السقف، وعند البعض كان هذا هو الحل السحري لمشاكلنا، بينما هو ليس سوى ''إدارة أزمات!''، وربما يستجيب للخيالات الشعبية التي تمجّد صورة البطل، لكنه ليس آلية حكيمة لتداول الأمور في المجتمع والدولة.. هذا جانب، وثمة جانب آخر وهو البعد الأخلاقي في التناول الإعلامي بالذات نشر صورة الطفلة ومدى تماشي ذلك مع القوانين والأعراف والأخلاقيات الإعلامية.
بخصوص ''ظاهرة التأزيم'' للمشاكل، هذا الأمر يبدو مزعجا لكل من يخاف على استقرار مجتمعنا، فبدل أن يكون الإعلام ''جزءا من الحل'' يصبح الآن جزءا من المشكلة!.. ففي كل مرة تبرز إشكالية ترتبط بأداء الأجهزة الحكومية، نجد أن الإعلام السعودي يأخذ المشكلة من أبعادها الفنية المتعددة ليحولها إلى قضية سياسية، وحالة الإفراغ هذه ربما تعكس عدم تطور ''منهج التفكير العلمي'' في مجتمعنا، وهذا يلمس بوضوح في تداول الرأي في إعلامنا المحلي، والمؤسف أن بعض من يوضعون في إطار قادة الرأي أصبح مصدرهم للمعلومة ما هو مطروح في الوسائط الاجتماعية، وهذا خلل منهجي خطير، لأنه يجعل وسائل الإعلام مصدر توتر في المجتمع بدل كونها وسائل إنارة للرأي العام، وأداة للرقابة الموضوعية والأخلاقية على أداء الأجهزة الحكومية.
العاملون في الأجهزة الحكومية ليسوا ملائكة ولا هم شياطين. هم منا، من لحمنا ودمنا وثقافتنا وبيئتنا وطريقة تربيتنا، ولا أحد يجرؤ على أن ينكر أن لدينا الكثير من المشاكل ولدينا التقصير في أداء الأجهزة الحكومية في جوانب عديدة، والذين يعملون في الأجهزة الحكومية أكثرهم يذهبون إلى أعمالهم وفي نيتهم أن يخلصوا وينجزوا ويراقبوا الله -سبحانه وتعالى- في أعمالهم.. وفي عملهم قد يصيبون وقد يخطئون.
نحن في العقود الماضية مررنا بفترات نمو شهدت مشاكل وتحديات رئيسة.. وعملية البناء أثمرت الكثير من الإيجابيات التي نقلت مجتمعنا في مجالات التنمية الرئيسة، وشهدنا ذلك في سنوات متسارعة، وكان في برنامجنا الوطني العديد من الأهداف الأساسية للتنمية، منها ما حققناه ومنها ما فشلنا في تحقيقه، ومنها ما نلتمس طريقنا للوصول إليه.. وهذه سنة الحياة، البناء مهمة صعبة ومضنية.
وحالة ''التأزيم''، للمشاكل وتحويلها إلى قضية سياسية عبر رفع سقف المطالبات بالاستقالات تذكرنا بالحالة ''الكويتية''، فإخواننا هناك شهدوا تأزما خطيرا هدّد استقرار الكويت وعطل مشاريع التنمية الأساسية، فمجلس الأمة ومع تطور ''صناعة النجوم'' في الإعلام والسياسة أصبح هدف بعض أعضائه إسقاط الحكومة وإقالة الوزراء، هكذا وضعوا معيار الإنتاجية!، أي تحول الإسقاط إلى غاية سياسية، وحاجة جماهيرية لرفع الرصيد السياسي الشعبي، حسابات أنانية شخصية مع الأسف، وكان السؤال الذي ظل يطرحه كل مَن يراقب الحالة الكويتية هو: لماذا تأزيم القضايا وصولا لإسقاط الحكومة؟
لماذا إسقاط الحكومة؟ .. هل هدف المعارضة إسقاط الحكومة أم الشراكة السياسية لإنجاح مشروع إدارة الدولة وتلبية احتياجات الناس؟!
الوصول إلى ''الحكم الرشيد'' يتطلب المشاركة الإيجابية لكل القوى السياسية في المجتمع، وليس الصراع والتأزيم.. المشاركة التي تتم عبر النضال الفكري السلمي الذي يؤدي للمصارحة وليس التشهير، ويقود إلى الدعم والمساندة الفكرية والفنية، ولا يقود إلى التجريح وتحويل القضايا من بعدها الفني وحشرها في أشخاص أو مجموعات، أو نظرية مؤامرة وتخريب!
ومما حدث ربما نحن إزاء حاجة وطنية جديدة، وهي تطوير آليات التفاعل بين مؤسسات الدولة والإعلام بشقيه التقليدي والحديث. الآن هذا ربما أصبح ضرورة استراتيجية، فتطور تداول الرأي ونقل المعلومة عبر وسائط عديدة متجاوزة اعتبارات الزمان والمكان أضاف رصيدا جديدا للقوة السياسية لوسائل الإعلام، وإذا لم نبادر إلى إعادة ترتيب أولويات البيئة الإعلامية فإننا سنجد أنفسنا ندخل في أزمات متلاحقة.. ومن المخاطر المحتملة السريعة المباشرة لهذا الوضع قد نجدها في ''هروب الكفاءات الوطنية'' من الأجهزة الحكومية، بالذات في المناطق النائية والمدن الصغرى.. فهل تتحمل ظروف بلادنا مثل هذا الوضع؟
وقبل أن نغادر هذا الموضوع ربما نحتاج إلى الاستفادة مما حدث في موضوع حيوي وإنساني يتعلق بالطفولة. لقد كشفت الحالة الأخيرة أننا نحتاج إلى مراجعة الضوابط والأخلاقيات التي تمس ''حقوق الطفولة'' في التغطيات الإعلامية حتى في الوسائط الاجتماعية الجديدة.. ونحن نتساءل هنا: هل من الجائز أخلاقيا وإنسانيا نشر صورة الطفلة واسمها؟ وما الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على هذا النشر؟!
هل التشريعات الإعلامية السعودية صريحة وواضحة في هذا الجانب؟ وإذا حدثت تجاوزات لهذه التشريعات، هل سيتم تصحيح الوضع؟
هذه أسئلة فنية موضوعية تتطلب ورشة عمل متخصصة، لعل ''هيئة حقوق الإنسان'' تبادر لها بالتعاون مع هيئة الصحفيين ووزارة الثقافة والإعلام حتى نعرف أين الخلل في عملنا، وكيف نطوره ولنتعلم من مشاكلنا، هكذا تتطور وتنضج الشعوب والدول.