الانتهازية.. اسمها نصرة!
الانتهازية في اللغة العربية مشتقة من مادة - نهز - التي تأتي بمعنى اغتنم، انتهز الفرصة أي اغتنمها، أي كان أول الواصلين إليها أو المبادرين نحوها. وفي السياسة والاجتماع، هي أيضا تأتي على مسافة قريبة من هذا المعنى، الانتهازي: صياد بارع للفرص يغتنمها لمصلحته الخاصة على حساب المجموع، أو بتعبير أفضل من المجموع، وعلى حساب كل شيء. وقد هجر الناس دلالة غنيمة الفرصة للوقوف عند تحويل كل موقف وكل حدث للمصلحة الشخصية على حساب المجتمع وقيمه وأخلاقه.
المبدأ عند الانتهازي سلم يصعد عليه فقط، والأخلاق عنده شبكة صيد، والتدين قناع يخفي خلفه ذئبا ضاريا يتربص بالشاة الضالة، أو المسترسلة في حسن ظنها به.
هو قاطع طريق.. إلا أن سلاحه الكذب والنفاق، وتحريف الكلم عن مواضعه. الكذب يتحول إلى تجمل، والنفاق - مجاملة، وسرقة المال العام - فرصة حان قطافها. مال غاب الرقيب عليه، فبات غنيمة باردة لمن يغنمها. فهي كمال الحربي في قتال المسلمين. من يبلغ إليها أولا، فهي له حلالا صرفا.
هذه فئة من الخلق، لا مذهب لهم ولا دين، هم صورة متكررة لا تتغير ولا تتبدل، ربما هم من كان يعنيهم الله في كتابه الخالد ''وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ''. كل شيء متعطل في الانفعال والتفاعل مع غيره. لكون الانتهازي صخرة صماء في حب ذاته، والانغلاق عليها، والعيش فيها، وفي محيط نفعها، ولا شيء آخر في حاجة إلى بصر أو سمع، أو أن يكون له قلب يقترب من رقة الرحمة للناس، حين يستبد بهم العوز، وتشح عليهم سبل الرزق، أو تضيق عليهم الأرض بما رحبت من التشبيك، وحازته صكوك، استغلقت عليها أقفالها.
وهذا الكائن الفريد الغريب في جنس البشرية، هو أفضل من يقوم بتزييف الحقائق، وتزييف التقارير لمن هم فوقه، ويكذب على كل من يحدثه، ويغدر بكل من يعده، من أجل أن تتحقق النفعية له وحده.
نفس غريبة جدا في انغلاقها على ذاتها.. إلى درجة أن أحد شعرائهم كان يتبجح بالقول: إن كل نهر لا يرتوي منه.. لا يبالي أسال أم نضبا. وأن السماء يجب ألا تكون سخية بالمطر إن لم يكن له نصيب من مساقيها الغامرة!
لذا تجد فتاة صغيرة ما زالت أحلامها تبحث عن لعبة، وكراسة، وفرشاة رسم، يستولي عليها عجزة وانتهازيون بمسمى ''النصرة''، التي لا تكون إلا في مواطن جمال الأجساد وبياضها! ولا تجب النصرة عندهم إلا في إصابة نساء الهاربين من الموت، واللاجئين، وحين تكون شامية أو أوروبية! أما لو كانت سواهما، فتلك خيمة مفتوحة على السماء تفي بالستر.. وتفي بواجب النصرة!
الانتهازي يستخدم المفردة الشرعية تبعا للحالة أو الموقف والفائدة، وتبعا لمعايير خاصة عنده، الجمال واللون والعمر.. كل هذه شروط أساسية في تحقق شروط النصرة الشرعية، من عدم تحققها.
وبما أن هدفه انتهاب أجساد القاصرات، والهاربات من الموت إلى من يفترض أنهم إخوانهم في الإسلام والعروبة، فإن مخزون ''يحرفون الكلم عن مواضعه'' كثير وكثير جدا.
فهو يسعى دائما إلى تجميد المفاهيم وفبركتها بحيث تخدم أهدافه المرحلية، ويزين الواقع بغية إقناع من حوله. إن النساء المسحوقة كرامتهن الإنسانية بهذا النوع من الزواج البغيض، والشهوي الهابط من رجال ينتمون إلى عبادة الذات دون الله، ويوظفون كلام الله بالشكل والطريقة التي تنفع! سريره وبطنه، وذاك الرصيد الحرام في مكان ما لا تصل إليه من أين لك هذا؟ لو قدر الله لها أن تخرج في الوقت المناسب، للإنسان المناسب لها؟
الانتهازية بات اسمها، نصرة!
موقف يتكرر عبر التاريخ.. فحين خذل المسلمون الأندلس في محنتها، وحين وجد عبد الله الصغير نفسه بين جيوش لا قبل له بها، وقد سلم أبنيه أسرى في إطار اتفاقية استسلام مذلة. تنص على خروجه مع قليل من مال، وقليل من متاع، وكثير من ألم وذكريات مريرة وبغيضة لا يملك القدرة على صرفها عنه!
أبصر المسلمين الذين لم ينصروه عددا، ولا عتادا، ولا عدة، ولا حتى تهويلا بالمد والعون، والنصرة! وجدهم يلتفون حول نساء الأندلس الجميلات، الخارجات من الموت، وفاجعة الترمل، والفقد والحرمان من كل شيء.. للنصرة ذاتها التي يمارسها الآن أشاوس العربان حول مخيمات الناجين من الموت ببقية من كرامة أدمية. عند عرب المستجير بهم ذليل بالنصرة له بخطف الفتيات وترك الباقين لقدرهم فوق رمال متحركة وحمأ مسنون في ريح زمهرير قارص.
الذي حدث ما زال يتكرر، أظن أن عبد الله الصغير. كان مغتبطا لكونه تصرف بالصواب الذي يفرضه ميزان القوة، لا ميزان الحق! ولكونه حقن دماء كثيرة كان قدرها أنها ستراق في حروب ليس بوسعه أن يمضيها لصالحه مطلقا.
طالما أن المسلمين من حوله يمارسون النصرة على الصغيرات الجميلات فقط! ولا قبل لهم بما هو فوق السرة من الجهاد والمدد!
والتاريخ يتكرر..
غالبا دون تعديل كثير في مضمونه! فقد كان المسلمون الأتراك يترقبون وصول سفن إشبيليا.. بعد خروج عبد الله الصغير منها، ليلتقطوا منها الفتيات الصغيرات، والنساء الجميلات وفاء لواجب النصرة في الدين. ويقول أكثرهم للباقين ''إن يخذلكم الله فلا ناصر لكم'' وغير الجميلات مخذول دون شك. والضمير الجمعي خرج ولم يعد. ليقوم بما يجب القيام به من الحماية والرعاية حتى يجعل الله للاجئين سبيلا للرجوع إلى وطنهم بالعز والكرامة.