رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل «المتهَم» بالسحر الوهمي يستحق القتل؟

كلنا نود للعدالة أن تأخذ مجراها بحق أي إنسان يُدان بجرم يستحق عليه العقاب، إذا ثبت جرمه بما لا يدع مجالاً للشك. ونحن لا نشك على الإطلاق في نزاهة قضاتنا ومحاكمنا، لكننا في الوقت نفسه، نأمل أن تكون حيثيات الحكم في محاكمنا مبنية على حقائق واضحة ومتكاملة وأن يُفتح المجال للمحامين المتخصصين للدفاع بكل حرية عن المتهم الذي قد يُحكم عليه بالقتل أو السجن مدى الحياة، إبراء لذمة القضاة قبل غيرهم. ونعلم أن هناك حالات كثيرة في بلادنا عقابها الموت، منها على سبيل المثال، قتل العمد وجرائم تهريب المخدرات والإفساد في الأرض، وممارسة ''الأعمال السحرية''. ونستطيع القول إن الحالات الثلاث الأولى لها في الغالب شواهد مادية من الممكن فحصها والتأكد من وقوعها. أما الموضوع الرابع، وهو قتل ممارسي السحر، فأمره غريب وإثبات جرمه أغرب، حيث يدخل ذلك في متاهات النية التي لا يعلمها إلا الله. ولا نعلم دولة حضارية في العالم تُطبِّق حد القتل في متهم بالسحر.
ثم ما تعريف عمل السحر الذي يوجب التعزير والقتل؟ وهل إذا ادعى إنسان أنه مسحور بواسطة فلان أو علان نأخذ كلامه على محمل الجد ونحكم على الساحر المزعوم بالقتل؟ أم أن هناك علامات ودلائل مادية وشواهد تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن السحر قد وقع فعلا؟ ونحن لا نتحدث هنا عن (خزعبلات) ما يُسمى الطلاسم والشواهد ''القصصية''. ومَن الذي يحكم على وقوع السحر، هل هي أقوال المدَّعين أم القاضي نفسه من خبرته ودرايته بالأمور السحرية أم الأطباء النفسانيون؟ أسئلة كثيرة قد لا نجد لها جواباً مقنعاً، لكن المسألة خطيرة إذا كان الأمر يتعلق بقطع الرقبة وحرمان إنسان من الحياة. وحسب مفهومنا، فإن عقاب منْ يُتَّهَم بممارسة الأعمال السحرية بالقتل لم يرد في القرآن الكريم. مع وجود عقاب رادع دون مستوى القتل، كالسجن والجلد والنفي من البلاد، وكلها أكثر قبولاً من القتل وتفي بالغرض المنشود وترفع الحرج عن القضاة.
نسمع من وقت إلى آخر الكثير عن عمليات سحرية تحدث في مجتمعنا خاصة، وتُنسَب إلى فئات معينة من الوافدين الذين في الغالب هم أميون لا يعرفون حتى القراءة والكتابة. ولا نعلم كيف تعلموا هذه المهارة الفريدة وتخصصوا في علومها وممارستها دون غيرهم من البشر؟! ولا يُستبعَد أننا نحن الذين أضفينا عليهم هالة المقدرة السحرية ثم صدَّقناها. ووضعنا أنفسنا رهينة لهذا الوسواس المزمن، نظن أن كل ''صيحة علينا''. فمعظم الأمراض النفسية التي تضاعفت خلال السنوات الأخيرة مع تعقيدات الحياة ينسبونها إلى الأعمال السحرية، لسبب بسيط، وهو عجزنا عن فك رموزها وعلاجها. والعجيب، والمؤسف في الوقت نفسه، أن كثيرين من أفراد المجتمع صاروا يتقبلون مثل هذا التشخيص دون أي مُساءلة أو ريبة، على الرغم من انتشار التعليم الذي من المفروض أنه يرفع من مستوى الوعي والحكم بميزان العقل لا العاطفة. لكن من المحزن أنك تجد عدداً من أصحاب الشهادات العليا يصدقون الاتهامات السحرية، التي عادة يطلقها أشخاص نذروا أنفسهم لهذا المجال المتلبِّد بالأوهام. ونحن لا ننفي وجود تجاوزات من بعض ضعاف النفوس من أجل كسب المال بطرق غير شرعية، كإيهام المريض نفسيا أو ذويه بأنه مُصاب بنوع من أنواع السحر. وقد يكون هذا الإنسان من أجهل خلق الله في أرضه، لكنه بقدرة قادر يلقى قبولاً لدى فئة كبيرة من أفراد المجتمع. ونحن نعلم أن هناك خطوات يتخذها القضاء قبل إصدار الحكم النهائي، ومنها استتابة المتهم. فإن تاب، إما أُخلي سبيله أو خُفف عنه الحكم. وما دام أن الباب مفتوح أمامه حتى يسْلم من القتل، منْ الذي لا يقبل أن يتظاهر بالتوبة حتى لا يكون مصيره الموت؟ لكن على أرض الواقع، هناك حالات تم فيها تنفيذ حكم الإعدام.
وسوف نستعرض قضية حديثة الوقوع، كما ذكرتها صحيفة «الاقتصادية»، 18 أبريل 2012، كمثال على التسرع في الحكم والارتجال دون دليل. قال متحدث باسم الشرطة السعودية إن السلطات ألقت القبض على امرأة سريلانكية للاشتباه في أنها سحرت فتاة عمرها 13 عاما. وقالت وسائل إعلام سعودية إن رجلا سعوديا شكا أن ابنته بدأت تتصرف فجأة بطريقة غير طبيعية، وأن ذلك حدث بعد أن اقتربت منها امرأة سريلانكية في مركز تجاري. ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل، إلى هذه الدرجة وصل بنا الأمر حتى نتهم إنسانة فقيرة تسير في وسط الشارع بأنها سببت أذىً لإحدى بناتنا دون حتى أن تمسها بيدها؟ هذا هو الذي يسمونه الاستشعار عن بُعد! والأغرب من ذلك والأشد وقعاً هو استجابة رجال الأمن والقبض على هذه المسكينة بدون أي دليل مادي يدينها، كيف نسمح لأنفسنا بهذا التصرف؟ مع الأسف أن هناك منْ يروجون ويكتسبون من وراء إشاعة مثل هذه الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان. ولا ندري لماذا نحن فقط، الله يحفظنا من شرور السحرة والأشرار، من بين شعوب الأرض، الذين ينتشر في وسطهم السحر؟ ويا ليته سحر متقدم مع تقدم العلوم الحديثة والتكنولوجيا العجيبة. فالسحر الذي يزعمون وجوده بيننا بدائي إلى أبعد الحدود، ولذلك فالمتهم عادة يكون من العمالة الأجنبية الأشد جهلاً بين البشر. ولا نعلم ماذا حدث لهذه المتهَمَة التي رماها حظها التعيس في أن توجد في ذلك المكان وفي الوقت ذاته!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي