«ريهام» تفضح التسيب الإداري وتفشّي الأخطاء الطبية!

عصفت ''معاناة ريهام'' قلوب كثير من الناس، وكانت عبارة عن القشة التي قصمت ظهر الإهمال والتسيب بالمؤسسات العامة وخاصة وزارة الصحة، وأخرجته أمام الناس عارياً دون قدرة المسؤولين على ستر عورته وتغطية قبحه وخطورته. والتسيب الإداري ببساطة هو السلوك أو الممارسات غير المنضبطة بأنظمة أو قيم عمل، مما يؤدي إلى الإهمال وضعف الإنتاجية واستغلال المركز الوظيفي، ومن ثم عدم قدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها.
كثير من مؤسساتنا العامة يعمل كما يُقال ''بالبركة''، فعلى الرغم من وجود بعض الأنظمة وطول عمر تلك المؤسسات، فإنها تأبى إلا أن تعمل بعيداً عن العمل المؤسسي، وتعتمد على اجتهادات شخصية وكفاءات إدارية متدنية. وبيئة كهذه تخلو من الرقابة، وتفتقر إلى الأنظمة التي تحدد حقوق المرضى وواجبات العاملين، تُعد بيئة مناسبة للفساد وعدم الالتزام بأخلاقيات المهنة وارتكاب الأخطاء الطبية.
والإهمال والتسيب الإداري عموماً ينتجان عن ضعف الشخصية الإدارية، أي الاختيار غير المناسب للكفاءات الإدارية، وغياب القدوة الإدارية المنضبطة، وكذلك نقص تأهيل الموظفين، وعدم وضوح الأنظمة بشأن الواجبات المهنية والعقوبات المقررة للمخالفات والتجاوزات وصعوبة تطبيقها إن وجدت، وأيضاً وجود الوساطة في التوظيف ما يساعد على توظيف موظفين من غير ذوي الكفاءة للقيام بمهام تفوق قدراتهم، وكذلك تدني الأجور وغياب الحوافز، ما يدعو للإهمال والتكاسل في العمل، إضافة إلى ضعف الوازع الديني وتدني الوعي بأخلاقيات العمل.
لهذا لا يستغرب الفساد في الخدمات الصحية التي أصبحت تشتكي من توظيف أطباء وفنيين غير مؤهلين أو حتى من حملة الشهادات المزورة، وكذلك فساد في عقود التشغيل، وتسرب الأدوية وصرفها في غير مخارجها الصحيحة، وتفشي الوساطة للحصول على الخدمة الصحية، وسوء تعامل الأطباء مع المرضى، ومعاملتهم المتغطرسة معهم وكأن المرضى ـــ في نظرهم ــــ كائنات لا تفهم ولا تعي مصالحها الصحية.
لذلك لا يستغرب انتشار الأخطاء، خاصة في المستشفيات الصغيرة والنائية بدرجة لا يمكن حصرها لسبب بسيط هو عدم وجود الآليات المناسبة التي تساعد على حصرها وتحديد المسؤوليات المرتبطة بها، ولكنها ـــ على ما يبدو ــــ كثيرة بناء على ما نسمع في مجالسنا وما نقرأ في وسائل الإعلام وربما يكون الأمر أكثر خطورة مما يمكن تصوره، وأعتقد أن الوضع الحالي سيستمر على حاله إذا استمرت لجان الأخطاء الطبية تعمل دون استقلالية، ولا تمارس أعمالها بحرية، وإذا استمرت وزارة الصحة المترهلة تعمل وفق مبدأ ''البركة'' وتفتقر إلى العمل المؤسسي المنضبط، وغير قادرة حتى على تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفاعلية.
التساؤلات المهمة هي: هل ننتظر الكوارث الكبيرة حتى نسعى لإصلاح هذه المؤسسات وغيرها؟! وهل نحتاج إلى أطباء لإدارة المؤسسات الصحية؟! أليس من الأفضل الاستفادة منهم في مجالات اختصاصاتهم النادرة؟ وأخيراً هل وزارة الصحة بوضعها الحالي قادرة على تحقيق رؤيتها الواردة في استراتيجيها التي تنص على : ''توفير الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة بأعلى المستويات العالمية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي