منازل للضيوف!

في لحظة تصميم المنزل يهتم بعضنا كثيرا برأي الآخرين ويرحل بخياله ليكوّن فكرة عمّا سيقولونه عن جمال وروعة منزله حين يرونه لأول مرة، فتراه يزيد في المساحات ويتفنّن في الديكورات ويحرص على "التشطيب" الغالي الذي يضمن له الحصول على لحظة الانبهار المرتسمة على ملامح الآخرين. قديماً قال أجدادنا الأولون: "العمار قطعة من نار"، فإذا كان هذا رأيهم رغم بساطة المواد المتوافرة آنذاك وتلك النظرة القنوعة التي يؤمنون بها من حيث مساحة المسكن وبساطة تأثيثه، فما نقول ونحن نرى مَن يضع له ميزانية "للعمار" ويتجاوزها مرة أو مرتين، وهو غير مبال بإمكاناته الاقتصادية في ظل اندفاعه نحو التشطيب "الغالي"، حيث لا يعي مقدار الهوة السحيقة للمطب المالي الذي أوقع نفسه فيه إلا بعد فوات الأوان.
المتأمل لكثير من المنازل السكنية سيندهش من المفهوم الغريب الذي ألزمنا أنفسنا به وهو حقا مفهوم مكلف وغير ذي جدوى نهائياً ويجب أن نُعيد التفكير فيه من جديد، وهو تخصيص جزء رئيس كبير للضيوف الذين ربما لا يتواجدون فيه فعلياً إلا مرة في السنة، فالدور الأرضي لا تستفيد العائلة إلا من غرفة المعيشة أو الصالة، وباقي الغرف مغلقة للغبار والظلام. وأذكر أن إحداهن قالت لي (الحمد لله الدور الأرضي قمت بتأثيثه بقمة الفخامة فمجلس النساء جعلته مغربياً ومقلط النساء جلسة أرضية مبتكرة، ومجلس الرجال على النمط التركي، والصالة مودرن، ورغم مرور خمس سنوات إلا أن أثاثي جديد ويلمع، فأنا وأطفالي كل وقتنا نجلس في الملحق الخارجي) وحين استفسرت منها عن "العزايم" التي أقامتها خلال هذه السنوات الخمس، ولكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا أخبرتني أنها فقط عزيمة واحدة وكانت "بمناسبة النزالة".
ـــ لماذا تحشر العائلة نفسها في غرفة واحدة وتظل فيها طوال أيام السنة، وما فائدة منازل نبنيها من أجل أن تحوز رضا الآخرين وإعجابهم ونقوم بتخصيص مساحات شاسعة للضيوف فيها رغم علمنا المسبق بأنهم ربما زارونا مرة في العام أو ربما لم يفعلوا، والمضحك المبكي أن البعض حين يحل عليه ضيوف يقوم باستئجار استراحة لهم حتى لا "يخرب" أطفالهم الأثاث ويحوسوا البيت عليهم؟
ولماذا نسمح لأنفسنا بالاندفاع الشرائي أثناء التشطيبات النهائية واختيار الأثاث لنغرق أنفسنا في ديون ربما تحول بيننا وبين التمتع بجمال منزل ظللنا نحلم به طوال العمر؟!
ــــ ولماذا نصر على مقارنة منازلنا بمنازل الآخرين رغم اختلاف الإمكانات الاقتصادية والمستوى المعيشي؟ وما السبب في انقراض القناعة والرضا بالمسكن المريح بغض النظر عن الفخامة المبالغ فيها؟
ــــ ولماذا لا يحرص البعض على تخصيص غرفة لمكتبة منزلية يمارس فيها أفراد الأسرة هواية القراءة ويعوّد فيها الصغار على حب الكتاب وأهمية وجوده في المنزل؟!
المسكن الواسع المريح من أسباب سعادة المسلم وجلب السرور لنفسه، ولكن التفاخر بالأثاث الفخم الراقي والمبالغة في التشطيبات النهائية وحكر أفراد الأسرة في واحدة وترك باقي غرف الدور الأول مغلقة للضيوف، فهذا حقاً مفهوم غريب عجيب علينا أن نعيد النظر فيه مرة أخرى!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي