أمين جديد للمجلس الاقتصادي الأعلى.. والملفات القديمة الجديدة
صدر أمر ملكي بتعيين ماجد المنيف أميناً عاما للمجلس الاقتصادي. الدكتور ماجد من أفضل الاقتصاديين في المملكة، عدا أنه جاء من المؤسسة النفطية مصدر التمويل الرئيس للميزانية وجزء مهم من حركته الاقتصادية. ولكن السؤال: هل تغيير الأشخاص كافٍ لتعديل المسيرة الاقتصادية؟ استبشر الكثير خيراً - وما زالوا - بتأسيس المجلس، وبدا كأنه محاولة جادة للملمة وتنسيق جهود أجزاء الحكومة الاقتصادية تحت مظلة واحدة، ولكن سرعان ما أصبح جهازاً بيروقراطياً إضافياً وتنازل عن دور صانع سياسة اقتصادية عليا إلى أدوار جزئية عدة، من إسداء الرأي حول بعض القضايا العصية إلى محكمة بين القبائل البيروقراطية. تفاءل البعض بالأمين السابق ("الاقتصادية" عدد 5699 تاريخ 19/5/2009)، ولكن سرعان ما خبا الوهج وغاب الحراك الفكري قبل كل شيء. هذا يقودني إلى القول إن الفرد لن يستطيع عمل الكثير مهما كان مؤهلاً ومهما حسنت النيّات - وهي دائماً حسنة - ما دام الفكر المؤسساتي والتوجّه الاستراتيجي غير قادر أو غير راغب في استبدال النموذج، كما أشارت كلمة "الاقتصادية" في أكثر من مناسبة.
الإشكالية في الفكر المؤسساتي وقاعدته المجتمعية عامة وهذه ليست لدينا فقط، فتشهد أمريكا صراعاً مجاله الخلافات حول السياسة المالية، وتشهد الصين صعوبة الانتقال من الحزب الواحد وما حقق اقتصادياً، مع استحقاقات الصعود إلى المرحلة التالية سياسياً واقتصادياً، وتقدم مصر نموذجا آخر في فشل النخب، وتقدم سورية مثالاً أسوأ، وتقدم اليونان نموذجاً آخر في تجذّر عدم الكفاءة. كل من هذه النماذج على اختلافها تصدر عن ظرف وبنية اجتماعية سياسية معينة. في المملكة تقاطع النمو السكاني والاعتماد على مصدر أوحد وضعف الإنتاجية وتنامي دور الحكومة وتغليب الاستهلاك على الإنتاج، تشكل في مجملها نموذجاً مستهلكاً يجب أن يكون مادة والشغل الشاغل للمجلس الاقتصادي الأعلى. دائرة هذه المسائل الشائكة فكرياً الاقتصاد السياسي، ولكننا غالباً نبحث عنها في مساحة بين العلوم الإدارية والمادية. في العلوم المادية كل معلومة جديدة في الفيزياء تجد طريقها إلى كلية الهندسة، وبالتالي يستفيد المجتمع من جسر أفضل أو بناية أكثر ملاءمة، أما في الاقتصاد السياسي فما يقوله الاقتصادي لن يجد طريقه بسهولة إلى السياسات الاقتصادية التي تخدم التنمية والنمو الحقيقي. السبب هو رغبة البشر في استخدام المؤسسات لمصالحهم الضيقة التي تكون في أحيان كثيرة المحافظة على المنصب والخوف من المكاشفة، وقد تكون أكبر من ذلك أحياناً. لذلك تجد القلة تختلف في التحليل والعلاج الاقتصادي، ولكن الانتقال إلى التنفيذ يقود سريعاً إلى خلافات عميقة ولكنها في الأخير مرتبطة بنظرة كبار المسؤولين لا أدوارهم وقيمهم التي تشكل أولوياتهم الحقيقية.
ما الحل؟
في المجتمعات العربية سرعان ما يعتقد الكثير أن محاربة المصالح هي الطريق للتقدم، وهذا غالباً خطأ كبير، بينما الغالب أنه يأتي بسبب مهارة الإنجاز المؤسساتي في تغيير طريق المصالح. التعديلات الجزئية لا تكفي إذا هي ليست جزءاً من برنامج متكامل واضح المعالم. البيئة الاقتصادية في المملكة أصبحت معروفة المعالم ولن نحاول توصيف أو تكييف شكلها أو توجهاتها، وهنا لا نقصد السلبيات وحدها، بل محاولة تلمُّس طريق جديد لإعطاء المجلس نفساً جديدا. لن يحدث نمو حقيقي أو تحوُّل في "عقلنة" الاقتصاد إلا من خلال إعادة ترتيب البيت اقتصادياً. وهذا لن يتم دون مراجعة الدعم، فلن يكون هناك تراكمٌ في رأس المال المادي والمعرفي، ما دام الاستهلاك ينمو بمعدلات أعلى من الاستثمار، وهذا بدوره لن يتم دون مراجعة سياسة الدعم. ولن يكون هناك إنتاجية وسعودة فاعلة في ظل جهاز حكومي بدأنا نفقد السيطرة على حجمه وأطرافه، وهذا لن يتم دون سياسة تخصيص تلمُّس اللحم والعظم في الجسم الاقتصادي. ولن تكون هناك سياسة سكانية فاعلة وتوظيفٌ أفضل للموارد دون رسم على الأراضي. أخيراً لن تكون هناك مواءمة بين القدرات والمقدرات الاقتصادية دون التفريق بين التوسُّع والسعة في الاقتصاد جوهرياً ومفهوم الهجرة الاقتصادية إلى المملكة.