رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الشورى .. من أين جاء هؤلاء؟

الأعضاء الذين اختيروا لمجلس الشورى في دورته الجديدة.. والذين سوف يؤدون القسم اليوم بين يدي خادم الحرمين الشريفين، عندما تتأمل رصيدهم ورصيدهن في التجربة أو في المؤهلات العلمية تدرك مدى أهمية ثمار مشروع التأهيل الذي تبنته الدولة للموارد البشرية في العقود الماضية، سواء في الداخل أو الخارج.
وهذه الأسماء التي تمثلنا الآن.. هل سنجدها بهذا التكوين المعرفي والتنوع الاجتماعي لو كان السبيل إليها عبر الانتخابات؟!
أذكر أن أحد الوفود البرلمانية الدولية، وهو الوفد البرلماني الفرنسي قبل بضع سنوات جاء في زيارة للمملكة بدعوة من مجلس الشورى، وفي إطار الاحتفاء بالوفد أقام عضو المجلس حينئذٍ الأستاذ محمد بكر، حفل عشاء للوفد في نادي الفروسية بالرياض .. ليلتها تحدث رئيس الوفد عن الزيارة وبدأ حديثه على العشاء قائلاً: "لا بد أن أقدم لكم التهنئة على نوعية أعضاء مجلس الشورى الذين قابلناهم اليوم ..أغلبهم لديهم مؤهلات علمية من جامعات معروفة وعريقة في أوروبا وأمريكا"، ثم سأل: هل هؤلاء أبناء عائلات غنية؟ وهو يتساءل هنا لأنه يدرك أن الجامعات التي ذكرها مكلفة مادياً وصعب القبول فيها ولا يلتحق بها عادة إلا أبناء الأثرياء.
صديقنا الأستاذ محمد بكر رد على تساؤله موضحاً له أن هؤلاء لم يأتوا من عائلات غنية، وبالتأكيد أوضاعهم المادية البسيطة لن تساعدهم على تحمل تكاليف الدراسة، وتعليمهم كان ضمن برامج الابتعاث التي أطلقتها الدولة منذ ستة عقود واستقطب الكثير من الشباب من جميع أنحاء المملكة، وبعد هذا الإيضاح .. قال الضيف: الآن فهمت من أين جاء هؤلاء! ثم قال أشياء طريفة عن المرجعية العلمية والاجتماعية لبعض زملائه في البرلمان الفرنسي.. (طبعا لا أستطيع ذكرها هنا بدون موافقة).
هذه النخبة في مجلس الشورى هي (عينة) قليلة من كفاءات تغطي تخصصات ومجالات عديدة في بلادنا .. وما زال مشروع التأهيل الكبير جارياً، وخادم الحرمين الشريفين مدّد مشروع الابتعاث خمس سنوات أخرى سنرى فيها، بحول الله، الكفاءات العلمية من أبنائنا وبناتنا ما يدعم استقرارنا ويكرس وحدتنا.. في العقود القادمة.
التعليم هو مشروع (النهر العظيم) الذي وجهت له حصة مهمة من الثروة الوطنية، وهو الذي يغذي (ربيعنا) الدائم، وهو الذي أوجد ويوجد الكفاءات الوطنية التي تتصدى الآن لأعقد التحديات .. وإضافة عضوية المرأة للمجلس، بدءاًً من هذه الدورة تستجيب للتحديات التي تواجهها متطلبات التنمية المستدامة.
إن حرص ولي الأمر على اختيار الكفاءات المعززة بالعلم والتجربة العملية له مبرراته الموضوعية، فقضايا التنمية أصبحت معقدة وتتطلب المعرفة الفنية المتخصصة وهذا يفسر أهمية التنوع العلمي لأعضاء المجلس، فالأعضاء مطلوب منهم العمل على أصعب المهام في الدولة المعاصرة، وهي إعداد وإجازة التشريعات، وفي المرحلة المقبلة بعد الطفرة الكبيرة في توسيع البنية الأساسية للتنمية، سوف يكون مجتمعنا أمام تحدٍ كبير رئيسي وهو كيف نكون أكثر حذراً وذكاءً في إنفاق واستثمار مواردنا.. فالتشريعات الذكية هي التي تقود إلى تطوير أداء الحكومة ليكون ذكياً.
في السنوات القادمة مجتمعنا يواجه عديدا من التحديات المصيرية، ففي الخارج هناك من يتربص بنا، وفي الداخل لدينا أعداء من أنفسنا، وإنفاقنا المتوسع في كل المجالات ربما يستنفد مواردنا ويرفع التزامات الدولة في المستقبل بما يفوق طاقتها ومواردها، وقد لا يستجيب لتطلعات الناس من الحكومة والتي رفعناها كثيرا وهي تشكل الآن حالة نفسية وفكرية بأن الحكومة يجب أن تتصدى لكل شيء.. (أي أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب!).
وهذا هو المطلوب من مجلس الشورى، أي أن يكون وسيطا موضوعيا بين الحكومة والناس، فلدينا مشاكل وتحديات رئيسية من أبرزها الإفراط في استهلاك مشتقات الطاقة الذي يستنزف مواردنا بدون مبررات موضوعية، وهو نموذج حي مؤسف على سياسات (الدعم غير الذكي) الذي لا يستفيد منه البسطاء ويصرف موارد الدولة من متطلبات ضرورية لهم في الصحة والتعليم والإسكان والنقل، وإصلاح هذا الخلل يحتاج إلى جهود مجلس الشورى، ونتمنى أن يكون هذا في قائمة أولويات الأعضاء في السنوات القادمة، فنحن إزاء موضوع خطير يشكل تحديا كبيرا لوجودنا واستقرارنا، فالعقلاء منا يتخوفون مما قد يكون خلل رماد، ومن حقهم ان يتخوفوا.. بل خوفهم هذا رحمة!
* * *
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ
ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ له ضِرامُ

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي