رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الوظيفة الثالثة للجامعات مجال للتنظير أم متابعة للتطوير؟

مع إطلالة العام المالي الجديد تجددت مرة أخرى نظرة واهتمام ولاة الأمر -يحفظهم الله- بدعم وزارة التعليم العالي دعما سخيا يجعل من الجامعات والمرافق التابعة لها منابر ثقافية لمجتمع يستحق هذا الاهتمام الكبير. بهذا الدعم منقطع النظير ستكون جنبات هذه المرافق خلايا نحل تزخر بعمل دؤوب لعام جديد مليء بالبرامج العلمية المختلفة في أهدافها المعززة لتوجهاتها ومهامها الأساسية تجاه المجتمع.
ما لوحظ في الأيام الأولى من هذا الأسبوع كان مدعاة للفخر ويستحق الإشادة بجهود وزارة التعليم العالي بأنها بدأت عامها الهجري الجديد بأحدث برنامج شغل جامعات عالمية وما زالت تتابع نتائجه بشغف. لقد قامت وزارة التعليم العالي بتنظيم ورشة عمل عن الوظيفة الثالثة للجامعات وجلبت لها أقطاب هذا العلم أو النشاط على مستوى العالم من ألمانيا والنمسا وبريطانيا وكندا ومن خلال ورقات العمل التي عرضت العربية منها والإنجليزية المحلية منها والأجنبية الخارجية اتضح أن الحراك في بدايته، وأن الوزارة ماضية في تقديم موضوع حديث يجمع بشراكات نموذجية بين قطاع التعليم العالي وقطاع الأعمال والقطاع الخيري تمهدا لتشكيل مسار التنمية بأسلوب متطور جدا.
تزامن مع إطلاق هذه التوعية الراشدة في الورشة الواعدة خبر أعلنته الوسائط الإعلامية عن موافقة خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- بتمديد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث لخمس سنوات إضافية ابتداء من عام 35/36هـ المحدد بنهاية المرحلة الحالية. هذه الموافقة الكريمة تدل على أن الاستثمار في العقول البشرية السعودية مستمر بكل الوسائل ومدعوم دعما لا يقارن، حيث تسخّر جميع الموارد لتحقيق الأهداف العامة والخاصة.
حول الجامعات والمسؤولية الاجتماعية نشر Sachi Hatakenaka في عام 2005 تقريرا بعد دراسته الوضع الأوروبي خلص فيه إلى أن فترة التجربة قد انتهت ولا بد من العمل على التقييم ثم التقنين من خلال المؤشرات والمقاييس التي يتم استنباطها والاعتماد عليها لوضع معايير العمل في هذا المجال ابتداء من ذلك الوقت. من ناحية أخرى، الدراسات أكدت أن في المملكة المتحدة مثلا: قفز عدد الجامعات من 48 جامعة في عام 1984 إلى 106 جامعة في عام 2007. هذا التطور والتحور من التعليم التقني ودون الشهادة الجامعية أو الجامعي المتوسط إلى الجامعي بمستوياته الثلاثة الأخرى (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) جعل الجامعات في بريطانيا تركز على استيعاب أفراد المجتمع في درجات علمية، إضافة إلى الانخراط في برامج مهارية وتقنية تؤهلهم لتنمية مهاراتهم وإمكاناتهم الفردية لتعزيز التنمية المستدامة للموارد البشرية. وضح من ذلك تركيزهم على أن يكون للجامعات مهمة جديدة تتمثل في محاور ثلاثة وهي: المشاركة الاجتماعية، والتعليم المستمر، ونقل التقنية. بعد مرور ما يقارب ثماني سنوات تقريبا على نهاية تجارب الغرب وبداية تقييمهم الفعلي لأنشطتهم تجاه المجتمع، لا بد أن يكون لدينا الآن رصيد يحفزنا على طي صفحات من الزمن للحاق بالركب.
الجامعات في السعودية تتميز بتواجدها في كافة مناطق المملكة وتضاريسها المتنوعة. هذه المناطق مأهولة بمجتمعات كل منها تميز بثقافات مهنية ومعرفية يجعلها بيئة لأنشطة علمية اجتماعية بمشاركة الجامعات فيها يمكن أن يتحقق ما تنادي به الوزارة وهو الخروج بتوجهات التعليم العالي للعالمية. إن حظوة التعليم العالي اليوم بهذه التجارب وكل هذا الدعم سيجعل أسوار الجامعات مرايا تعكس صورة المجتمع المثقف في كل منطقة ومحافظة وستوفر للقائمين على تقديم الخدمات الجامعية أرضا جيدة لوضع مؤشرات التقييم والقياس التي سيتم بعدها وضع معايير يمكن استخدامها في التصنيف الذي لطالما أرهق الجامعات لتحقيق مراكز متقدمة بين جامعات العالم. بل يمكن مع تبني هذه الوظيفة والسير بها إلى فضاءات أرحب ستصبح المملكة في مصاف الدول ذات التجارب الرصينة والمتنوعة في مجالات عدة. إن الدولة التي تنظر للخلف وفي الوقت نفسه تتقدم للأمام بكل ثقة فتتعلم من السابق ما يمكّنها من تحديث أنماط حياتها عبر صروحها التعليمية العالية لهي الدولة التي تحرص على نماء مجتمعاتها بما يتناسب وما وهبها الله من قدرات وهبات، وتجعل تقدمها مستداما.
لذلك قد تركز الجامعات العريقة على التعاون مع الجامعات الناشئة للاستفادة من الموارد ووضع استراتيجية للعمل على تحقيق الأهداف المهمة أو الوظيفة الثالثة للجامعات، وبالتالي تكون هناك مقاييس تقاس بها أنشطة الجامعات دوريا أو سنويا نظريا أو عمليا، لتكون فئات المجتمع كافة تقوم بالدور المنوط بها فتحافظ على المكتسبات. وتطور القدرات وتسهم في التنمية من دون أن تكون هناك أسوار عاجية أو بوابات. هنا سينظر المجتمع للجامعة على أنها المسجد، والمدرسة، والجامعة، والملعب، والصالة، والحقل الزراعي، وجسر التواصل بين الأجيال، ومركز التدريب، وإدارة التشريع والتنظيم، والرابط الحقيقي بين الأفراد... إلخ.
من ناحية أخرى، أتوقع أن تقام هذه الورشة كل عام، حيث تتبنى إقامتها إحدى هذه الجامعات بالتناوب فتكرس لمفهوم يجعل الوظيفة الثالثة من ضمن منهج التعليم والتطوير فتتميز في بعض العلوم وتقارع بنتائج هذه البرامج أنشطة الجامعات الكبيرة والمشهورة عالميا التي تقدمت في مشاركة مجتمعاتها مسيرة تنموية مستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي