رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الصخر الزيتي يقلب واقع صناعة التكرير رأسا على عقب

إن ارتفاع إنتاج النفط الخفيف - الحلو من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، ومن طبقات السجيل الغازي الغنية بالسوائل الهيدروكاربونية في ولاية تكساس، قلب واقع صناعة التكرير في الولايات المتحدة رأسا على عقب. المصافي البسيطة التي ليس لها طاقات تكسير وتحسين التي كانت تعتبر في السابق من الطراز القديم وغير المربح، عادت إلى الواجهة من جديد، في حين أن المصافي المعقدة مثل مصفاة شركة هيس، التي تملك مرافق تكرير معقدة، على وشك أن تغلق.
خطوط الأنابيب التي كانت تستخدم في السابق لنقل النفط المستورد من السواحل إلى الوسط الأمريكي تم عكس اتجاهها للسماح لإمدادات النفط الخام الجديدة في التدفق جنوبا إلى سواحل الخليج. مصافي النفط في الوسط الأمريكي لديها ميزة من حيث التكلفة على تلك الساحلية التي بنيت في الأصل لسهولة الوصول إلى الخامات المستوردة الرخيصة.
الحافز لهذه المتغيرات كما أسلفنا هو الزيادة في إمدادات النفط الخفيف الحلو من تشكيلات الصخر الزيتي التي عززت إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام بنحو 800 ألف برميل في اليوم في العام الماضي فقط. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية حاليا أن يرتفع إجمالي إمدادات النفط الأمريكي في عامي 2013 و2014 بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم، معظمها (1.5 مليون برميل في اليوم) من طبقات الصخر الزيتي الخفيف - الحلو.
هذا الاندفاع غير المتوقع نحو مزيد من الاكتفاء الذاتي من الطاقة في الولايات المتحدة يطرح في الوقت نفسه مشكلات هيكلية خطيرة، ولا سيما بالنسبة لشركات التكرير الأمريكية، وذلك بسبب الحظر شبه الكامل على تصدير النفط الأمريكي. مصافي التكرير الأمريكية تستهلك في الوقت الحاضر نحو 45 في المائة من النفط الخام المحلي، مقارنة بـ 33 في المائة قبل أربع سنوات فقط. من المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى أكثر من 50 في المائة بحلول نهاية هذا العام، العامل الأكثر أهمية في هذا الجانب هو أن مزيج النفط الأمريكي أصبح أخف كثافة بكثير مما خططت له صناعة التكرير المحلية.
لقد تعاملت المصافي الأمريكية حتى الآن بصورة سهلة نسبيا مع ارتفاع إمدادات النفط الخام الخفيف - الحلو من طبقات الصخر الزيتي، وذلك من خلال تقليص واردات النفط الخام المماثلة من شمال وغرب إفريقيا، ومن أوروبا. في نهاية العام الماضي انخفض إجمالي واردات النفط الخام الأمريكي من النفط الخفيف إلى نحو 12 في المائة فقط، مقارنة بـ 25 في المائة قبل ثلاث سنوات، أي بانخفاض يقدر بنحو واحد مليون برميل في اليوم. في المقابل استوردت الولايات المتحدة كميات أكبر من النفط الخام الثقيل من منطقة الشرق الأوسط، خصوصا من السعودية، وذلك لمزجها مع النفط المحلي الأخف. لكن حتى هذا التغيير في مزيج النفط المستورد لم يمنع من تحسين متوسط جودة النفط المستخدم في المصافي الأمريكية إلى °API 31، وهذا أخف مما كان عليه في أكثر من عقد.
إن مصافي النفط الأمريكية لن تكون قادرة بسهولة على استيعاب 1.5 مليون برميل في اليوم من إمدادات النفط الخفيف - الحلو الجديدة. لكن شركات التكرير الأمريكية بصورة خاصة والصناعة النفطية بصورة عامة معروفة بمرونتها واستخدامها أساليب مبتكرة في التعامل مع المستجدات التشغيلية. على سبيل المثال، استفادت الصناعة النفطية من خبرة الأيام الخوالي وقامت بنقل النفط من حوض باكن في ولاية داكوتا الشمالية ومن مناطق الرمال النفطية الكندية على عربات السكك الحديدية لمساندة خطوط الأنابيب غير الكافية. في الوقت الحاضر يتم نقل النفط من الوسط الأمريكي باستخدام عربات سكك الحديد إلى الساحلين الشرقي والغربي، وكذلك لمراكز التكرير الرئيسة على ساحل الخليج.
على مصافي النفط الأمريكية التعامل الآن مع مسألة جودة النفط، يعتبر ساحل الخليج من أكثر مراكز تكرير النفط تطورا في العالم، حيث يضم نحو 1.5 مليون برميل في اليوم من طاقات المصافي المعقدة. مع ارتفاع إمدادات النفط الخفيفة، ستكون الحاجة أقل إلى مثل هذه المصافي المعقدة، حيث إن حوض باكن وحوض النسر فورد يوفران كميات قليلة جدا من المقطرات الثقيلة التي تغذي وحدات التكسير.
اقتصاديات المصافي المعقدة تأثرت بالفعل، ذلك أن توافر الخامات الخفيفة وبأسعار منخفضة قوض من هوامش أرباح هذه المصافي. في الواقع لقد تم إعادة تشغيل الكثير من المصافي البسيطة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة وفي أوروبا التي كانت قد أوقفتها في العام الماضي. بل إن بعض شركات التكرير تخطط لبناء مصافي تقطير بسيطة جديدة، على سبيل المثال تخطط شركة فاليرو Valero لبناء وحدات تقطير بسيطة بطاقة 90 ألف برميل في اليوم بموقعها في هيوستن لتقطير النفط الخفيف. في المقابل تقوم شركة هس بإغلاق مصفى معقد بطاقة 65 ألف برميل في اليوم في ولاية نيو جيرسي، الذي يقوم بتصفية النفط الخام المستورد. لقد عززت أنباء إغلاق مصفى شركة هس من هوامش أرباح البنزين على ساحل المحيط الأطلسي، لكنها في الوقت نفسه ستوفر أيضا المزيد من النفط الخام المتوسط الداخل للمصافي.
إن التعامل مع المتغيرات التي طرأت على جودة النفط الخام في الولايات المتحدة ما هو إلا الخطوة الأولى لشركات التكرير. حيث إن ارتفاع إمدادات النفط الخفيف من طبقات الصخر الزيتي الأمريكي قد دعم في الوقت نفسه إمدادات النفط الخام الخفيف الحلو القادم إلى حوض الأطلسي، في وقت أنفقت فيه المصافي الأوروبية الكثير من المال على إضافة طاقات تكسير هيدروجيني للتعامل مع النفط المتوسط والثقيل (مصاف معقدة) للمساعدة على كبح العجز الهيكلي في وقود الديزل. لكن مع توافر مزيد من النفط النيجيري (الخفيف) للمصافي الأوروبية، أصبحت المصافي البسيطة مربحة مرة أخرى.
إن هوامش أرباح البنزين والنفثا ضعيفة في حوض الأطلسي، والتحول إلى مزيد من النفوط الخام التي تنتج مقطرات خفيفة أكثر سيضع المزيد من الضغوط على أسعار المنتجات الخفيفة، ما قد يدفع المصافي الأمريكية والأوروبية إلى البحث عن أسواق جديدة للتصدير. كما أن منتجي النفوط الخام الثقيلة سيسعون أيضا لإيجاد منافذ جديدة، وعلى الأرجح في أسواق آسيا والمحيط الهادي النامية.
إن ارتفاع إمدادات النفط الخفيف - الحلو من طبقات الصخر الزيتي قلب واقع صناعة التكرير رأسا على عقب، حيث دفع شركات التكرير الأمريكية إلى البدء ببناء مصاف بسيطة، في حين ستحتاج شركات التكرير الآسيوية إلى إضافة المزيد من المصافي المعقدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي