العامل المارد في الأسهم: الحالة النفسية

استمعت إلى أحدهم يسأل الآخر عن حالة السوق، فكان الرد أن السوق ارتفع بسبب العامل النفسي، ثم سأله اليوم التالي: لماذا سجّل المؤشر نزولاً دون تغيير في الأساسيات وغياب أي معلومات جديدة مؤثرة؟ فكان الرد أيضاً بأن نفسية السوق تغيّرت. أصبح العامل النفسي تبريراً سهلاً لشرح الصعود والنزول في السوق، دون مرجعية فكرية لفهم دوره المركزي وكيفية التعامل معه وربما الاستفادة منه. دور العامل النفسي كبير جداً، وما يجعله أخطر العوامل صعوبة هو تحديد دوره من ناحية، وسرعة تأثيره من ناحية أخرى. التمكُّن من قراءة العامل النفسي وحده مدخل مربح لمَن يجيد المتاجرة والاستثمار في الأصول عموماً، وخاصة الأوراق المالية، ولكنه لا يكفي لنجاح متميّز.
نقطة البداية عادةً ما تكون في الأساسيات والمعلومات حولها، ولكن سرعان ما يأخذ العامل النفسي دوراً أكبر منها. يبدأ التأثير الأساسي من حالة النمو الاقتصادي، ولكن نادراً ما نسمع أن النمو الاقتصادي يتعدّى 5 في المائة صعوداً أو نزولاً، خاصةً في الاقتصادات الأكثر نضجاً، ولكن المستثمر لا يشتري أو يبيع الاقتصاد أو نسبة الارتفاع أو الانخفاض فيه. المستثمر يشتري ويبيع أسهم أو سندات الشركات المكوّنة للمؤشر وحتى هذه ترتفع وتنخفض مبيعاتها وأرباحها بنسب أكبر من نسبة الحركة في النمو والانخفاض في الاقتصاد، ولكن أيضاً المبيعات والأرباح تتحرّك سلباً وإيجاباً بنسب أقل من أسعار الأوراق المالية لهذه الشركات. أرباح الشركات المحرّك الأساس تتحرّك بين النمو الاقتصادي وأسعار الأوراق المالية. الفرق بين الحركة في أسعار الأسهم وبين القيمة الجوهرية لها (ما يعكس العوامل المؤثرة أساسياً) هو بسبب الحالة النفسية للمستثمر والمتاجر في الأسهم. هذا الفرق هو الأكبر والأكثر مساحة، وبالتالي نخلص إلى أن الحالة النفسية والعوامل النفسية المؤثرة فيها، مثل الثقة بالجهات الرقابية والأوضاع السياسية وحالات التفاؤل والتشاؤم وغيرها لها دور أكبر رقمياً في الأسعار، ولكن إهمال العوامل الأساسية خطأ فادح، في أغلب الأحيان يبالغ العامل النفسي في قراءة المحركات الأساسية.
الاستثمار على اعتبارات أساسية فقط، قد يُفقد المستثمر والمتاجر فرصة التخارج المناسبة في الوقت المناسب، والاستثمار على اعتبارات نفسية فقط قد يُسرع بالشراء في الوقت غير المناسب. لا نستطيع القول إن الشراء أو البيع أهم، ولكن هذا أيضاً يعتمد على طبيعة المشتري: هل هو مستثمر أم متاجر مضارب؟ المستثمر قد يناسبه في الغالب الشراء، معتمدا على الأساسيات، بينما المتاجر/ المضارب قد يناسبه في الغالب البيع بعد أن يُسيطر العامل النفسي على الصعود. لاحظ أن الكلمة العملية هنا: قد وبالتالي ليس هناك حالة غالبة وصالحة لكل ظرف. تبدأ الأخطاء عادة حينما لا نعطي المعلومات الأساسية حقها من البحث والتحليل والتمحيص، أو حينما نعتقد أن العامل النفسي عامل فضفاض بعيد عن استحقاقات حركة السوق. لعل أكبر إشكالية أن العامل النفسي يتطلب توازناً عاطفياً لكي نتمكّن من التعامل معه بكفاءة، والحالة العاطفية مرتبطة بالتهيئة النفسية التي في جوهرها موضوعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي