رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عضوات مجلس الشورى .. ومعاناة نصف المجتمع!

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن المرأة ومجلس الشورى، وذكرت أنني متفائل كثيرا بمقدرتها على طرح معاناة بنات جنسها، ونتوقع تفوقها في ذلك على الرجال الذي نراهم يراوحون في أماكنهم، وقد تتغير مواقعهم ولا نرى تغيرا يذكر في إنجازاتهم. إلا أن تألق عضوات مجلس الشورى مرهون بطرح المعاناة الحقيقة والتصرفات المهينة التي تتعرض لها المرأة في بلادنا، فالناس تنتظر ماذا ستأتي به المرأة في مجلس الشورى، وهل بالفعل هي مؤهلة للظفر بقرارات تصب في مصلحة بنات جنسها، أم أنها ستفعل كالرجال فتقتصر مهمتها على الحضور والإنصات، وعند إخفاقها تبرر لنا بأن خبرتها قليلة في مجال العمل البرلماني، فهي متخصصة في الكيمياء أو الطب أو علم النفس وقد زج بها في هذا المضمار دون علمها! نحن لا نريد هذه النهاية، فمهمة المرأة في مجلس الشورى تعتمد بشكل كبير على نقل الحقائق من الواقع، واقتراح الحلول المبنية على معلومات من الميدان، وألا تنحصر مهمتها في الطبقة المخملية، بل طرح الموضوعات العامة والظواهر البارزة للسواد الأعظم من النساء، وهي متعددة وكثيرة، بينت أهمها في مقال الأسبوع الماضي وسأسرد حزمة منها في هذا المقال.
بينت في مقال الأسبوع الماضي مشكلة الأرامل والمطلقات، ونحن وإن كنا نجهل إحصائيات دقيقة، إلا أننا نرى عينات يواجهن ظروفا صعبة للغاية، وكل فرد في مجتمعنا يدرك معاناة المطلقات والأرامل، وأظن أن معالجة وضعهن أهم خطوة تبدأ بها عضوات مجلس الشورى. وهناك حل أراه يلوح لي في الأفق وهو الرفع عاجلا للمقام السامي بتخصيص دخل شهري لائق للمطلقة والأرملة (لا يرمى لها بالفتات)، يليق بها كامرأة تحمل الجنسية السعودية، فمثل هذا يحفظ لها كرامتها ويحميها وأطفالها من اللئام والذئاب حتى لا تضطر إلى أن تذل نفسها أو تقايض بكرامتها وعرضها، من أجل أن تعيش، أو تحتاج إلى أن تكون تحت لواء رجل آخر عقد عليها لتبرير يمين أو تكملة نصاب، فوضع المطلقات والأرامل لا يرضي أحدا أبدا، رغم أننا ما فتئنا نرفع شعار الدين ونستشهد بالآيات والأحاديث، ونتقول بأن الإسلام قد كرم المرأة. وهذه حقيقة أن الإسلام كرم المرأة وأعز شأنها ورفع قدرها، إلا أن بعضنا قد أهانها واستغلها واستباح ما فوقها وما تحتها.
المعضلة الثانية التي تواجه النساء في مجتمعنا هي عضل البنات (منعهن من الزواج)، التي تتزايد في كل وقت وحين، فقد سجلت 15 محكمة من محاكم المملكة 103 قضايا عضل منذ بداية العام الهجري الحالي 1434هـ - حسب التقرير الذي نشرته ''الاقتصادية'' يوم السبت الماضي. ويلغ إجمالي قضايا العضل المسجلة خلال العام الماضي 1433هـ في كل المحاكم، 373 قضية تقدمت بها المرأة إلى المحاكم تشتكي من عضل وليها ورفضه تزويجها. وتصدرت مدينة الرياض أكبر مدن المملكة في قضية العضل، تليها جدة ثم مكة المكرمة بـ 65 قضية، ثم الدمام بـ 31 قضية. حتى المدن الصغيرة لم تسلم من قضايا العضل كصبياء وعرعر والرس. هذه هي القضايا التي رفعت إلى المحاكم وهناك أضعاف وأضعاف تظل طي الكتمان إما لخوف المرأة من وليها، وإما خوفا على سمعة عائلتها، أو جهلا بحقوقها.
عندما نضع هذه الأرقام بين أيدينا ونسأل أنفسنا: كيف تتجرأ امرأة في مجتمع محافظ الذهاب بنفسها إلى المحكمة وتقيم قضية عضل على وليها، الذي قد يكون أباها أو أخاها؟ عندها ندرك أنها لم تقدم على هذا إلا وقد مسها الظلم وشعرت بالغبن. ولا أرى سببا مباشرا لمنع الفتيات من الزواج سوى الجشع وحب المال واستفادة الولي من وجود المرأة معه وفي قبضته وتحت وصايته، فهو يحسبها اقتصاديا دون أن يدرك عواقب ذلك على المجتمع وعلى المرأة وعليه هو شخصيا. نعم هناك أسباب أخرى وراء عضل البنات غير المال، قد يكون من ضمنها عدم كفاءة النسب، والجهل، والعناد وغيرها، إلا أن المرأة التي يتم عضلها عادة ما تكون موظفة أو لديها مصدر دخل ولو قليل، واعتاد الولي أن يستنزف كدحها وتعبها منذ بداية مشوارها الوظيفي. فالمرأة غير الموظفة فرصتها في الزواج أكبر من غيرها، فقد تتزوج المرأة إذا لم يكن لديها مصدر دخل ولم يكن لها إيراد يستفيد منه الولي، إلا أنها قد تواجه المشكلة نفسها عندما تحصل على عمل بعد زواجها بعام أو عامين أو أقل أو أكثر. فقد يضطر الولي، خصوصا الأب إلى السيطرة على مرتب ابنته، ولو اضطره ذلك إلى استرجاعها بالقوة وحرمانها من زوجها وأطفالها. ولا تقل لي إن هذه استثناءات، بل نراها بيننا وعن أيماننا وعن شمائلنا حتى أصبحت إحدى قيم مجتمعنا المسلم.
ولا نريد أن نلقى اللوم على الولي فقط، فالزوج قد يمارس دور الأب في السيطرة على راتب زوجته فيقترض باسمها، ويسافر على حسابها، ويقيم المناسبات والاحتفالات على نفقتها، وقد يتزوج بثانية من عرق جبينها. وأنا هنا لا أتكلم عن الاتفاق بين الزوجين على بناء حياتهما وتأمين مستقبلهما والتعاون في مواجهة ظروف الحياة، لكنني أعني ذلك النوع من الرجال الذي يضع يده على دخل زوجته بالقوة ويصرفه كيفما بدا له.
ولم يقتصر ظلم المرأة على العضل، بل وصل إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد تهان أمام أبنائها، وتضرب كما يضرب العبد المارق بين أهلها وفلذات أكبادها، وقد تزوج بدون صداق، وقد يقايضها وليها بدين في عنقه لرجل بلغ أرذل العمر.
هذا غيض من فيض نتمنى من عضوات مجلس الشورى أن يبذلن القليل من الوقت للتحقق منه، ويذهبن بأنفسهن إلى المعاناة الحقيقية ويستمعن بعمق إلى القصص الواقعية والظلم العظيم، فإذا بلغن هذا وقدمن معاناة نصف المجتمع إلى مجلس الشورى - مجرد إظهار هذه الحقائق وتوثيقها - ولو لم تحل، أرى أنه إنجاز ما بعده إنجاز وعمل جبار يحسب لهن، وأنا متأكد أنهن قادرات على أكثر من ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي