رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ثروتنا البشرية بين التربية وبين التعليم

مدرس ثانوي يقود سيارته أمام طلابه بعد انتهاء الدراسة ويسير عكس السير ضاربًا أسوأ مثال لتربوي ينظر إليه طلابه كقدوة وولي أمر، الطالب يصفق بكفيه ويقول لذلك يقود الطلاب سياراتهم وكأنهم قد امتلكوا الشارع، دون احترام لنظام مروري أو إحساس بمن حولهم من سيارات أخرى أو طلاب مشاة، فالقدوة تغني عن آلاف الخطب والكلمات والمواعظ.
مدرس آخر يضع أسئلة أكثر من معقدة وصعبة في مادة التاريخ لطلابه فيرسب معظم طلاب الفصل ويحتجون، فلا يلقي لهم بالاً ليربيهم على الظلم وازدراء الآخر وعدم الاهتمام برأي الجموع والاعتراف بالخطأ والتراجع عنه كفضيلة يجب أن يربي عليها أبناءه أو إخوانه الطلبة، ومدرس رياضة يبدأ أول حصة رياضة لأطفال الصف الأول ابتدائي بلعبة االقفز على رجل واحدة وضرب الطلاب الآخرين بالرجل الثانية لإخراجهم من الدائرة ليربيهم على الفردية وانعدام روح الفريق الواحد وتوليد العداوات بين الطلاب التي تستمر طوال السنة.
دكتور في إحدى الجامعات يتسلم بحوث أكثر من 40 طالبًا بالتزامن مع الامتحان النهائي، ويعلن النتائج في اليوم الثاني التي لم ترض أحدًا، وتؤكد أن وضعه بطريقة أخرى، غير التصحيح المنصف وقراءة البحوث وتقييمها وفق معايير التقييم العادلة ليربي طلابه على الكذب والظلم والاستهتار بجهود الآخرين وتقييم الآخرين بغير الجدارة كالشكل أو الاسم أو الجنس أو الجنسية أو التزلف والنفاق.
هذه أمثلة والأمثلة كثيرة والقصص المؤلمة لا حصر لها التي تقول إننا لم نع بعد معنى تغيير اسم ''وزارة المعارف'' إلى ''وزارة التربية والتعليم''، رغم أن الاسم الجديد يشير إلى أن التربية أولى من التعليم، ورغم أن التربويين يعلمون علم اليقين أن سر الحضارات كافة وجوهر الحضارة الإسلامية خاصة هي القيم الأخلاقية الإنسانية ومفاهيمها السليمة التي تجعل من الإنسان شعلة من الإنتاج والعطاء والإبداع والإتقان والصبر والاحترام وتحمل المسؤوليات والأمانة والصدق والإخلاص. نعم، يعلمون أن المتعلم في أي مجال كان، ولنقل الطب كمثال، لن يكون طبيبًا ناجحًا وإن كان متفوقًا علميًا دون تمثل هذه المنظومة القيمية المفاهيمية قولاً وفعلاً.
مفهوم جدارة الموارد البشرية يقول إن الإنسان لديه ثلاثة مستويات من الجدارة، اثنان عميقان، هما السمات الشخصية الوراثية التي يولد بها الإنسان والمنظومة القيمية المفاهيمية الراسخة في ذهنه التي يكتسبها عبر سنوات من البيئة التي يعيش فيها (الأسرة والمدرسة والمجتمع)، والثالث سطحي وهو العلوم العامة والمتخصصة المكتسبة من خلال الدراسة والتعليم والتدريب، ويؤكد الإداريون أن المستوى الثالث هو الأسهل معالجته، أما المستويان العميقان فمن الصعب معالجتهما، وهما الأهم في تحديد مستوى جدارة الموارد البشرية.
الموروث والدراسات تؤكد أن أبناء البيئات الصحراوية نادرة الموارد يتمتعون بسمات شخصية متوارثة ممتازة نتيجة التحديات التي يواجهونها في هذه البيئة القاسية، وبالتالي فإن العنصر الوراثي لا مشكلة لدينا فيه، وبكل تأكيد مشكلتنا الرئيسة هي اختلال كبير وضعف في المنظومة القيمية الأخلاقية الإنسانية ومفاهيمها التي تؤكدها سلوكياتنا في الطرق، حيث لا يحتاج من لديه أدنى عقل إلى أن يعرف أن المشكلة المرورية في المملكة مشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى فلا صبر ولا إيثار، ولا احترام للنفس ولا للآخرين ولا للأنظمة المرورية، وكل ذلك يمكن لوزارة التربية أن تؤصله في أذهان الطلاب خلال 12 عامًا من الدراسة كما تفعل الدول الغربية والشرق آسيوية المتقدمة.
ولقد بات من الأمور البديهية لكل مثقف أو مهتم بالشأن العام، ولا أقول الشأن الاقتصادي فقط، أن الموارد البشرية ثروة البلاد المستدامة، وأن إنتاج العقول ينمو وإنتاج الحقول ينضب، وأن الدول التي استثمرت في الموارد البشرية وأهّلتها التأهيل السليم المتوافق مع خططها التنموية ووفرت لها مقومات النجاح من بيئة عمل وإنتاج وابتكار وإبداع حلقت عاليا في التنافس الاقتصادي والحضاري، وبات من المعروف أيضًا أن ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية ومفاهيمها السليمة في أذهان الموارد البشرية الوطنية عنصر أساسي في تأهيلها للعمل المتقن والابتكار والإبداع والصبر والعزيمة والمثابرة على النجاح والتفوق في ساحات وميادين المنافسة الاقتصادية والحضارية.
من القيم الشائعة في المجتمع السعودي المبشرة بالخير والتي تؤكد أن المجتمع مؤهل بشكل كبير لفهم القيم واستيعابها ومفاهيمها السليمة متى ما ذكرت له ورسخت في ذهنه قيمة بر الوالدين، وهي قيمة تعمل الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية على ترسيخها حتى رأينا تحاكم الأبناء لدى القضاء للفوز برعاية أحد الوالدين، فليت مجتمعنا ومؤسساتنا التعليمية تركز على بقية القيم الأخلاقية الإنسانية ومفاهيمها وترسخها في أذهان مواردنا البشرية كما رسخت قيمة بر الوالدين قولاً وعملاً ليكون لدينا موارد بشرية جديرة بالنهوض بكل مؤسساتنا الاقتصادية للوصول للتنمية المستدامة المستهدفة.
ملتزم بتعاليم الدين أعرفه سافر إلى الولايات المتحدة ولم يزر أي مصنع أو جامعة أو مدرسة، بل ذهب سائحًا قال إنه عرف لماذا تسود الولايات المتحدة العالم وأنهم يستحقون ذلك عن جدارة؛ لأنه رأى الأخلاق من رجل الشارع وقائد المركبة وإتقان العمل في الفنادق والأماكن السياحية والمواصلات وغيرها، ورأى الحقوق تعطى بكل سهولة ولا تؤخذ بالقوة، إلى غير ذلك مما رآه تجسيدًا لمنظومة أخلاقية إنسانية راسخة في نفوس موارد أمريكا من مواطنين ومقيمين، وهذا وغيره قالوا المقولة الشهيرة وجدنا أخلاق الإسلام ولم نجد المسلمين، وفي بلادنا وجدنا المسلمين دون الأخلاق الإسلامية.
ختامًا، أتطلع إلى أن تنظر وزارة التربية والتعليم إلى مسألة ترسيخ المنظومة القيمية الأخلاقية الإنسانية ومفاهيمها السليمة في أذهان طلابنا خلال المراحل الدراسية كافة في إطار جهود الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والنهوض ببلادنا لمستوى دول العالم المتقدم أخلاقًا وعلمًا وتقنية، وأن تعلن الوزارة برامجها ومنهاجها وآلياتها التي تقدم التربية الأهم على التعليم المهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي