وزارة العمل.. نظرة من الداخل
جاء تأسيس وزارة العمل قبل خمسة أعوام تقريبا ليجمع شتات أجهزة متنوعة، التأمينات الاجتماعية، صندوق الموارد البشرية، المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، ،اللجان العمالية، وتحولت الوزارة الناشئة إلى صدارة الاهتمام الاجتماعي بفعل أزمة البطالة وتبعاتها الاجتماعية، وتحاول الوزارة أن تبدو متماسكة لتقوم بدورها الطبيعي في مواجهة الأزمة وإعادة تنظيم سوق العمل السعودي بخطوات ومبادرات بطيئة أحيانا ومرتبكة في بعض الأحيان.
في عهد الراحل غازي القصيبي كانت الوزارة في مرحلة التأسيس ووجدت الوزارة نفسها في مواجهة معركة دون أي أسلحة، بدءا من غياب الإحصائيات، وضعف التشريعات، وتشتت عمل الأجهزة، ومقاومة اجتماعية لبعض الأفكار.
وسرعان ما شهدت الوزارة حراكا نشطا مع قدوم الوزير المهندس عادل فقيه الذي أعطى مساحة من الأمل لتقديم حلول جذرية وربما كان برنامج ''نطاقات'' أحد الأفكار التي يراهن الوزير فقيه وفريقه التنفيذي على نجاحها المستقبلي في توظيف الأيدي العاملة، ومع تقديرنا لجهود الوزير فقيه فما زالت هناك عيوب جوهرية في أداء الوزارة يجب ألا تستمر وتعوق الأداء، منها جهاز الوزارة التنفيذي الضعيف والمتمثل في 37 مكتبا للعمل منتشرة عبر مختلف المناطق يرتادها يوميا مئات العاطلين وأصحاب المنشآت، وهي الحلقة الأضعف في تنفيذ قرارات الوزارة على أرض الواقع وتتحمل الجزء الأكبر من الفشل في مشروع الوزارة الوطني لمكافحة البطالة، ولا توجد أسباب خفية لمعرفة هذا القصور في أداء مكاتب العمل، إذ تكفي نظرة أو زيارة واحدة لأي من هذه المكاتب الـ 37، لتعرف معاناة المجتمع من أدائها السلبي، فنقص الموظفين، وسوء التعامل مع الجمهور، وقلة استخدام الأجهزة التقنية، وتكدس المعاملات الورقية، وقلة المتخصصين المؤهلين للتعامل مع قضايا التوطين وتنمية الموارد البشرية، وسوء المباني القائمة، التي تزدحم بمئات المراجعين سمات ملازمة لهذه المكاتب، وأخيرا بدا التوجه بإسناد عملية التوظيف إلى صندوق الموارد البشرية ولا أعرف ماذا سيتبقى لهذه المكاتب من دور سوى التوسع في عمليات الاستقدام لنعود إلى للمربع ذاته ولو لم تكن مكاتب العمل بتلك الصورة الهزيلة والمتواضعة لما تحايلت عشرات الشركات والمؤسسات على قرارات وزارة العمل، بل الرفض الصريح لمعظمها دون القدرة على الرقابة والمساءلة من الجهاز الأضعف في الوزارة!
مكاتب العمل هي واجهة الوزارة وذراعها القوية، والحاجة ملحة جدا لتغيير هيكلها وتطوير أدائها، واستقطاب الكفاءات المؤهلة لإدارتها، وإعادة تأهيل الموظفين الحاليين، والاستفادة من التقنية في تقليص المواعيد وتخفيف التكدس، حتى تضطلع بدورها الحقيقي في الرقابة والمساءلة، ومساعدة الشباب في الحصول على فرص العمل، والإسهام في الإرشاد المهني، وتهيئة الفرص، وإجراء الأبحاث الميدانية، وعقد الندوات التدريبية والتوعوية، ونشر الإحصاءات، والأرقام بشكل دوري لكل منطقة.
أما الأمر الآخر من خلال الأداء لأجهزة العمل فهو التباين الواضح في أنظمة المؤسسات الثلاث التابعة للوزارة، أعني صندوق الموارد البشرية، والمؤسسة العامة للتدريب، والتأمينات الاجتماعية، وكأن كل واحدة من هذه الجهات تتبع لوزارة أخرى، وأبسط مثال على ذلك لو أرادت إحدى المنشآت الاستفادة من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية يشترط الصندوق أن تسجل البيانات لديه أولا ثم تتم إعادة تسجيل الموظف لدى التأمينات الاجتماعية ولو حصل أن قامت المؤسسة بتسجيل موظف في نظام التأمينات وقدمت أوراقه لدى أي فرع من فروع الصندوق فلا يتم قبوله حتى ولو كان التسجيل لأيام معدودة، وأظن هذا التعقيد لا داعي له وكان الأولى أن يكون هناك نظام آلي واحد لجميع أجهزة الوزارة يحقق الهدف النهائي في تسجيل مواطن وتسهيل إجراءات دعمه ليكون ضمن نسبة التوطين وليس انتصار كل جهة لأنظمتها على حساب الأخرى.
والأمر نفسه ينطبق على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي شددت في فترة سابقة على منع النساء من العمل في مراكز التدريب والمعاهد الرجالية حتى لو كان ذلك وفق أنظمة وزارة العمل التي هي مرجعية المؤسسة، وما زلت أتذكر عمليات التسريح الجماعي التي طالت موظفات يعملن في مهن كالسكرتارية والتسويق لدى مراكز التدريب بعد ضغط المؤسسة، وهو أمر يناقض أنظمة وزارة العمل التي دعت للتوسع في توظيف النساء وفق الضوابط المعروفة للجميع.
أما الشروط التعجيزية التي تفرضها المؤسسة على المعاهد الخاصة بعدم السماح للوافدين بالعمل فيها رغم أن بعض المهن مستثناة من وزارة العمل أصلا كمهن التسويق وتقنية المعلومات فهي أمر يبعث الحيرة لدى المستثمرين الذين يتساءلون أنطبق أنظمة الوزارة؟ أم أنظمة المؤسسة وأيهما الأصل؟
أما عمل المرأة فلم تقم الوزارة بما يكفي بل اكتفت بسن بعض التشريعات وحددت بعض الضوابط ولكن لم تفعل شيئا تجاه معوقات التطبيق التي ساهمت في عزوف النساء عن العمل وتسريح الكثير منهن. خطة الوزارة الطموحة في جعل المرأة شريكا فاعلا في كل فرص العمل السياحية والتجارية والهندسية والتعليمية وفق ضوابطها المعلنة، هي مشروع ورقي بامتياز، فالبلديات ما زالت أنظمتها تمنع النساء من العمل في أي منشأة يصدر تصريح منها، والمؤسسات التعليمية تطبق الأمر نفسه، والمنشآت السياحية لا تستطيع، وهكذا بقية الأجهزة، إذاً ما دور وزارة العمل وأين أفكارها من أرض الواقع؟ هل من مجيب؟