أسعار العقارات ليست مستثناة من نظريات التضخم
التضخم يعني الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، وقطعا العقارات سلع، ومن ثم فنظريات وبحوث التضخم تطبق قطعا على أسعار العقارات.
لعل القراء يذكرون كتابات عديدة كتبت خلال الأعوام القليلة الماضية خلاصتها توقع انهيار (انخفاض حاد) في أسعار العقارات في غضون شهور قليلة. تلك الكتابات صدرت من كتاب قدموا على أنهم اقتصاديون، رغم أنهم لا يملكون معرفة ذات بال في علم الاقتصاد، ولا في طريقة البحث فيه. ومن ثم لم يطبقوا في كتاباتهم ما يفترض تطبيقه: النظريات والبحوث المفسرة لكيفية حدوث التضخم.
أهم ما تدور عليه مناقشات أولئك الطمع بأكثر من صورة.
من المسلمات التي يبنى عليها علم الاقتصاد أن الانسان أناني يحب المال حبا جما. هذا الحب موجود منذ أن خلق الله البشر. وهو ينطبق على البائع وعلى المشتري، على التاجر وعلى المستهلك، والأمر واضح. الجميع يحبون المال حبا جما منذ خلقوا.
وتبعا لذلك، نقول إن طمع ومضاربات تجار الأراضي كانت وما زالت موجودة من قبل. ومن ثم لا تجد في نظريات ودراسات التضخم التي تدرس في الجامعات وتناقش في المؤتمرات العلمية التفسير (لارتفاع الأسعار في اقتصاد أي دولة)، الذي يعتمد على الطمع لذاته. إلا في حالة طمع من نوع جديد (كاحتكار جديد لم يكن معروفا من قبل) أو أن السلعة جديدة، أو صدور سياسات تزيد من الطمع بصورة ما. ومن جهة أخرى، لابد للطمع من أداة جديدة ووقود جديد كزيادة كمية النقود (السيولة) في الاقتصاد لسبب ما، مثل زيادة الإنفاق الحكومي زيادة حادة، تفوق توسع الاقتصاد كثيرا، ومثل تحول نقود هائلة من قطاعات إلى قطاع العقار مثلا، لسبب استجد واكتسب الاستمرارية.
أما من جهة توقع المستقبل، فمناهج وطرق التنبؤ الاقتصادي للتضخم (وغيره من المتغيرات الاقتصادية الكلية) في الأوساط الأكاديمية والبحثية والمهنية لا تستند إلى الأعمال الميدانية، ولا إلى المعلومات الجزئية. بل تطبق نماذج رياضية قياسية (أساس بنائها نظري) وأدوات اقتصادية قياسية، على بيانات كلية. ويحصل على النتائج باستخدام برامج حاسب تطبيقية متخصصة، بعضها متقدم، تتطلب فيمن يستعملها توافر مهارات جيدة في النظرية الاقتصادية، وفي الاقتصاد القياسي الذي يمزج النظرية الاقتصادية والإحصاء والرياضيات في إطار واحد.
لماذا كان المنهج كذلك؟ لأن التضخم من ناحية نظرية ينشأ من عوامل متغيرة، ويتحرك تبعا لتحركها، مثل تضخم الفترات الماضية، ومعدلات النمو الاقتصادي، ونمو العرض النقدي لأسباب عديدة، والتضخم في الدول المصدرة الرئيسة، والتغيرات في أسعار الصرف. وإذا تكونت لدينا فكرة عن سلوك هذه العوامل، فإنه ستتكون لدينا فكرة عما يفترض أن يكون عليه التضخم. أما العوامل الموجودة من قبل كالطمع، فهي عوامل ثابتة، وتعامل على هذا الأساس. وتأثير هذه العوامل يشبه علاقة وتأثير ضعف المناعة في البشر خلقة، عند الإصابة بأمراض كأمراض البرد لأسباب وقتية.
وبالله التوفيق،،